حديث نبوي

الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة

تفضل الله على عباده بأن عاملهم بفضله ولم يعاملهم بعدله، فجعل مجرد الهم بالحسنة دون القيام بعملها حسنة، وجعل الهم بالسيئة دون عملها حسنة.

إن الله كتب الحسنات والسيئات

عن ابن عباس، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- قال: (‌إن ‌الله ‌كتب ‌الحسنات ‌والسيئات، ثم بين ذلك.

فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة،

وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة)[مسلم]

كتابة الحسنات والسيئات

قال النبي فيما يرويه عن ربه: (‌إن ‌الله ‌كتب ‌الحسنات ‌والسيئات، ثم بين ذلك).

وكل الله بالإنسان ملائكة يكتبون عليه ما يصدر من أعمال فما فعله من الخير يكتب بالحسنات، وما فعله من الشر يكتب بالسيئات.

فهناك ملكان يلازمان الإنسان أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن يساره يكتب السيئات، قال الله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) .

قال الله: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال الله عز وجل: (إذا همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإِذَا همَّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حَسنة، فإِن عملها فاكتبوها عشْرا)[مسلم]

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنَّهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر،

ثم يعرُج الذين باتوا فيكُم فيسألُهُم وهو أعْلَم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهُمْ يُصَلُّون، وأتيناهم وهُمْ يُصَلُّون)[البخاري]

من هم بحسنة

قال النبي فيما يرويه عن ربه: (فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة).

لما كانت السيئات من العباد أكثر من الحسنات لطف الله بالعباد فضاعف لهم الحسنات ولم يضاعف لهم السيئات،

فجعل مجرد الهم بالحسنة دون عملها حسنة، وجعل الله مجرد الهم بالسيئة دون عملها حسنة، لأنه إنما تركها مراقبة لله تعالى.

فالهم بالشر عمل من أعمال القلب فمن كف قلبه عن ذلك ونوى عدم فعله يكون قد عصى هواه وفعل الخير فجوزي على ذلك بالحسنة.

والإنسان قد يهم بحسنة وقد يهم بسيئة، وقد يعملها وقد لا يعملها، فتلك حالات أربع.

من عمل حسنة

قال النبي فيما يرويه عن ربه: (وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة).

من عمل الحسنة الواحدة كتبها الله لصاحبها عشر حسنات، وهذا هو ما يدل عليه قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا).

وقد تضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف أو أكثر من ذلك ويدل على ذلك قول الله: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ومما يدل على مضاعفة الحسنات أيضا قول الله: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا).

وعن أبي مسعود، أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة)[أحمد]

وهذا التضاعف للحسنات مبني على درجة الإخلاص فكلما زاد الإخلاص كلما زاد التضاعف للحسنات.

وهناك أعمال ضاعف الله ثوابها لصاحبها فلا يعلم عدد حسناتها إلا الله، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

(قال الله: كل عمل ابن آدم له ‌إلا ‌الصيام، ‌فإنه ‌لي وأنا أجزي به)[البخاري]

لأن الصيام يحتاج لكثير من الصبر وهو أفضل أنواع الصبر، وقد قال الله عن الصابرين: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

من هم بسيئة

قال النبي فيما يرويه عن ربه: (وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة).

فمن هم في نفسه بأن يقوم بعمل سيئة ثم تركها خوفا من الله ومراقبة له كتبها الله له حسنة كاملة، وأما من تركها لأنها مجبر على تركها، أو حيل بينه وبينها فلا تكتب له حسنة.

وقال الطبري: وفي هذا الحديث تصحيح مقالة من يقول: إن الحفظة تكتب ما يهم به العبد من حسنة أو سيئة، وتعلم اعتقاده كذلك،

ورد مقالة من زعم أن الحفظة لا تكتب إلا ما ظهر من عمل العبد وتسمع. فإن قيل: الملك لا يعلم الغيب فكيف يعلم بهم العبد؟

قيل له: قد جاء في الحديث أنه إذا هم بحسنة فاحت منه رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة فاحت منه رائحة كريهة.

من عمل سيئة

قال النبي فيما يرويه عن ربه: (وإن هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة).

ومن هم بسيئة في نفسه ثم عملها كتبها الله له سيئة واحدة، وهذا من لطف الله ورحمته، قال الله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

لكن الذنب أحيانا يعظم إذا وقع في الزمان والمكان الفاضل، فقد عظم الله الذنب في الأشهر الحرم فقال:

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

وعظم الله الذنب في في بيته الحرام فقال: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).

وقال الله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).

وقد تضاعف السيئات بسبب شرف فاعلها وقوة معرفته بربه وزيادة قربه منه، كما في قول الله: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ).

وقال الله عن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ).

مواضيع ذات صلة