الحسد من معاصي القلب فما معناه؟ وكيف نحفظ أنفسنا منه؟
إن في القلب الكثير من الصفات المذمومة منها الحسد والكبر والرياء والعجب؛ لأنها محلها القلب، وعلاج هذه الرذائل تحتاج لكثير من الجهد من أجل التخلص منها.
تعريف الحسد
الحاسد هو الذي يستكثر نعم الله على غيره ويتمنى زوالها عن الغير، وهذا خلق ذميم مضر بالبدن ومفسد للدين، من أجل ذلك أمرنا الله بالاستعاذة منه فقال: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
الحسد المحمود وهو الغبطة
لكن الحسد المحمود والذي يسمى بالغبطة هو أن يتمنى الحاسد مثل ما عند المحسود دون أن يتمنى زوال النعمة عنه، كأن يتمنى أن يكون له مال ينفق منه مثل ما ينفق غيره، وأن يكون له علم مثل ما لغيره.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)[البخاري]
ذم الحسد في القرآن والسنة
ذم الله الحسد في القرآن وبين الله أن الحسد من صفات أهل الكتاب فقال الله:
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وعن الزبير بن العوام، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين،
والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم)[الترمذي]
الحاسد عذب نفسه
الحاسد هو الشخص الذي يعذب نفسه بسبب حقده وغله، فلا يزال في عذاب دائم في الدنيا إلى موته، وفي الآخرة عذاب شديد.
حقيقة الإيمان
لا يصل المسلم لحقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[البخاري]
ولا يتم الإيمان حتى يكون المسلمون كالبنيان الواحد، يشعر أدناهم بأعلاهم، وأعلاهم بأدناهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا). وشبك بين أصابعه.[البخاري]
دواعي الحسد
إن للحسد الكثير من الدواعي التي تدعوا إليه منها:
1- ان يبغض الحاسد المحسود فيتألم بسبب ظهور فضيلة عليه فيثير ذلك في نفسه حسدا له.
2- أن يتفوق الحاسد على المحسود ويتقدم عليه فيعجز الحاسد عن اللحاق به فيدعوه ذلك لحسده.
3- الخوف من فوات نعمة كأن يتزاحم هو وأحد على مقصود واحد.
علاج الحسد
إن للحسد علاج وهو اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، والرجوع إلى الله والإيمان أن كل الأمور بيد الله فهو الذي يرفع وهو الذي يخفض.
وأن يؤمن أن كل الأمور تقع بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
دفع ضرر الحاسد
قال ابن القيّم- رحمه الله-: ويندفع شرّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
السبب الأوّل: التعوّذ بالله من شرّه، والتحصّن به واللجوء إليه.
السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه. فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره.
السبب الثالث: الصبر على عدوّه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلا. فما نصر على حاسده وعدوّه بمثل الصبر عليه.
السبب الرابع: التوكّل على الله، فمن توكّل على الله فهو حسبه، والتوكّل من أقوى الأسباب الّتي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم.
وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإنّ الله حسبه، أي كافيه. ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلّما خطر له. فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شرّه.
السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له وجعل محبّته ورضاه والإنابة إليه في محلّ خواطر نفسه وأمانيّها تدبّ فيها دبيب تلك الخواطر شيئا حتّى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلّيّة. فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيّه كلّها في محابّ الربّ، والتقرّب إليه.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه. فإنّ الله تعالى يقول: (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ودفع العين، وشرّ الحاسد ولو لم يكن في هذا إلّا بتجارب الأمم قديما وحديثا لكفي به.
فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها ولا عرّضها للزّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله. وهو كفران النعمة. وهو باب إلى كفران المنعم.
السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقّها عليها، ولا يوفّق له إلّا من عظم حظّه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه،
فكلّما ازداد أذى وشرّا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه شفقة. وما أظنّك تصدّق بأنّ هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه، فاستمع الآن إلى قوله- عزّ وجلّ-:
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كلّه، وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد، والترحّل بالفكر في الأسباب إلى المسبّب العزيز الحكيم، والعلم بأنّ هذه الآلات بمنزلة حركات الرّياح، وهي بيد محرّكها، وفاطرها وبارئها، ولا تضرّ ولا تنفع إلّا بإذنه.
فهو الّذي يحسن عبده بها، وهو الّذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه. قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ).