جولة حول النفس الإنسانية في معرفة أقسامها ومراتبها
تطلق النفس ويراد بها مجموع القوى الحيوانية أو الشهوانية في الإنسان، كشهوة الفرج، وشهوة البطن، وهذه الشهوات تكون ضد القوى العقلية، وقيل: النفس هي جوهر الإنسان.
النفس المطمئنة
من أنواع النفوس التي جبل الإنسان عليها النفس المطمئنة، وهي النفس المستقرة الثابتة المتيقنة بالحق التي تميل لفعل الصواب،
وهي النفس التي تنزلت عليها النفحات الإلهية، فتطمئن لذكر الله، فهي لا تسكن إلا إلى الله، ولا تعمل إلا بكتاب الله، قال الله: (يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي).
النفس الأمارة
هي النفس التي تكون القوى الشهوانية فيها في حرب وسجال مع القوى العقلية، فتارة تهزم شهوات الإنسان عقله، فينحدر بذلك إلى درجة البهائم، فمن كان في هذه الحالة كان في حقيقته كالبهائم التي لا تحركها إلا تلك الغراز البهيمية.
ويكون الإنسان صورته صورة إنسان وحقيقة أمره حيوان، قال الله وهو يصف هؤلاء بالشياطين بالرغم من أنهم من الإنس فقال:
(وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ).
وتلك هي النفس الأمارة بالسوء التي تميل إلى الشهوة والغضب وسميت أمارة بالسوء على سبيل المبالغة لأنها ألفت المحسوسات وعشقتها، قال الله: (وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ).
المقتصد والسابق في الخيرات
وأما النفس التي يكون صاحبها في سجال مع شهواتها فتارة يَغلب وتارة يُغلب فهذا هو المقتصد، ومن قهر نفسه فهو السابق في الخيرات.
نفس ملائكية
وأما الإنسان الذي يهزم عقله شهواته يرتقي بذلك إلى درجة الملائكة، فتكون صورته صورة إنسان لكنه في رقيه ملك نوراني.
قال الله: (فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ).
النفس اللوامة
هي النفس الخيرة التي تلوم صاحبها لم فعل الشر، ولماذا لم يستكثر من الخير، فهي لم تزل تلوم صاحبها في كل الأحوال سواء فعل خيرا أو فعل شرا.
وقيل: التي تنازع صاحبها فتارة يغلب عقله وتارة تغلبه شهوته، قال الله: (لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ).
بقاء النفس
النفس تبقى ولا تفنى بفناء البدن، وهذا ما ورد ذكره في القرآن حيث قال الله: (وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ).
وقال الله: (وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ).
فالعلم الضروري يقول إن الجسد مات لكن النص يقول إن هذا الإنسان حي فدل ذلك على أن حقيقة الإنسان شيء مغاير لهذا البدن، يقول الله تعالى عن نزع روح الكافر: (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ).
وعن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال:
(أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟
قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)[مسلم]
وهذا النعيم لا يكون لنفس فانية وإنما يكون لنفوس باقية.
وهذه النفس كانت موجودة قبل وجود هذا البدن ودليل ذلك قول الله: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) فالرجوع يدل على أنه كان في موضع ثم ذهب لغيره ثم يرجع لموضعه الأول مرة ثانية، ومنه قول الله: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً).
معرفة الله
إن مفتاح معرفة الله هو معرفة النفس، قال الله: (سَنُريهِم آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ). وقديما قالوا: من عرفة نفسه فقد عرف ربه.
اعرف حقيقة نفسك
يجب على الإنسان أن يعرف أن النفوس جمعت في بطائنها حقائق مختلفة ففيها صفات البهائم والشياطين والملائكة وكل من هذه الصفات تحتاج الغذاء المناسب لها حتى تصل لسعادتها.
فصفات البهائم تحتاج للأكل والشرب والجماع حتى تتم سعادتها، فإن كنت من هذا النوع فاجتهد في تحصيل تلك الأشياء.
والشياطين تكمل سعادتها بالمكر والخداع والإيذاء والحيل فإن كنت من هذا النوع فاجتهد في تحصيل تلك الأشياء.
والملائكة سعادتها في طاعة ربها فإنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فإن كنت من هؤلاء فاجتهد في تحصيل ذلك.
مجاهدة الهوى
الإنسان في مجاهدة الهوى على ثلاثة أقسام:
الأول: إما أن يغلبه هواه فلا يستطيع أن يخالفه فهذا هو الذي عبد هواه من دون الله، قال الله: (أَرَأَيتَ مَنْ اتِّخَذَ إلههُ هَوَاه).
الثاني: أن يكون الإنسان في حرب مع هواه فتارة يغلب هواه وتارة يغلبه هواه، فهو بذلك من المجاهدين.
الثالث: أن يغلب الإنسان هواه ويسيطر عليه فيكون بذلك قد نال حريته من هذا الهوى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن).
قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: (وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)[مسلم]
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر: (والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك)[البخاري]
للاطلاع على المزيد: