الملكية الجماعية هي التي يكون الحق فيها مقررا للجماعة وليس لفرد دون آخر ولا لفئة دون فئة، وهذا مؤسس على أن كل ما في الأرض مخلوق للناس جميعا.
الملكية الجماعية
قرر الإسلام حق الملكية الجماعية، وهذا يعني أن الموارد الطبيعية التي خلقها الله هي حق للجميع، وسخرها الله لخدمة الناس جميعا، فقال الله: (هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا).
وأكد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الحقيقة فقال: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلإ، والماء، والنار)أبو داود
فهذه الأشياء ليست من صنع الإنسان وإنما هي من صنع الله، وطالما أنها من صنع الله فليس من حق أحد أن يستأثر بها دون الآخر.
فالكلإ اسم للنبات الذي تخرجه الأرض دون أن يتعب أحد في إخراجه في أرض ليست ملكا لأحد، فليس من حق أحد أن يحتكره دون الآخر.
وأما الماء فإن الذي أخرجه لنا من باطن الأرض هو الله، والذي أنزله من السماء هو الله، وهو من أجل النعم التي أنعم الله بها على العباد فليس من حق أحد أن يحتكره دون الآخر.
قال الله: (أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ ءَأَنتُمۡ أَنزَلۡتُمُوهُ مِنَ ٱلۡمُزۡنِ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنزِلُونَ لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم:
رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم،
ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك)[البخاري]
وأما النار التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها من المنافع العامة التي يشترك الناس فيها فالمراد بها الحطب الذي تكون منه النار أو ما يكون منه الوقود مما يخرج من باطن الأرض فهذا مما يشترك الناس فيه كالبترول وغيره.
قال الله: (أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ)
الأرض المحمية
الأرض المحمية كانت تعرف عند العرب قديما فكان صاحب النفوذ كالسلطان يضرب بنفوذه وسلطانه على أرض تكون له ولعشيرته فلا يحق لأحد أن يأخذ منها شيئا.
وهذا المعنى هو ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه)البخاري
لكن الإسلام أنكر الملكية الخاصة وجعل الحمى لله ولرسوله من أجل أن يكون لمصالح المسلمين.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا حمى إلا لله ولرسوله).
وقال: بلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة. البخاري
الأرض التي فتحها المسلمون
الأراضي التي فتحها المسلمون لها صور متعددة منها:
1 – أرض أسلم أهلها عليها فهذه تبقى بأيدي أصحابها.
2 – وأرض صالح أهلها عليها دون أن يدخلوا في الإسلام فهؤلاء يدفعون للدولة ما صولحوا عليه، بأن يدفعوا الجزية.
3 – والأراضي التي لا ملك لها وهي الأرض الموات التي لا صاحب لها فهذه الأرض ملك لمن يحميها.
4 – والأرض التي فتحها المسلمون عنوة بعد أن هزموا أهلها فهذه قد تكون أرضا عشرية أو أن تكون في حكم الغنائم أو يفرض على أصحابها الجزية.
واجب الدولة تجاه الملكية الجماعية
الدولة التي تبسط سلطانها يجب عليها أن تحافظ على تلك الملكية الجماعية من الإتلاف والاستيلاء، بالعمل على إحيائها، وترغيب الناس في الحفاظ عليها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق)[البخاري]
فمن أخذ أرضا من هذه لإحيائها ولم يقم بذلك كان من حق الإمام أن يستردها منه ويقطعها لغيره.
ويجب على الدولة أن تقوم بتقرير النظم والأحكام التي تنظم أمور الملكية الجماعية بين الناس، قال الإمام أحمد:
“فمن سبق إلى مكان بالسوق فهو له وكان هذا في سوق مدينة الرسول فيما مضى، وليس له أن يبني فيه دكة ولا غيرها لأنه يبقى على الدوام، فربما ادعى ملكه بسبب ذلك، والسابق إلى مكان أحق به ما دام فيه”.
والدولة تقوم مقام النائب عن الجماعة فيما تحت يدها من المال العام، فعن عمر بن الخطاب أنه خطب الناس في الجابية فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:
“من أحب أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أحب أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أحب أن يسأل عن المال فليأتني،
فإن اللَّه جعلني خازنًا وقاسمًا، ألا وإني بادئ بالمهاجرين الأولين، أنا وأصحابي فنعطيهم، ثم بادئ بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان فنعطيهم،
ثم بادئ بأزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فنعطيهن)، فمن أسرعت به الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ به العطاء، فلا يلومن أحدكم إلا مناخ راحلته.[مصنف ابن أبي شيبة]