من البراهين العقلية التي ذكرها القرآن الكريم على قدرة الله على الإحياء بعد الموت، الاستدلال ببدء خلق الإنسان من العدم.
خلق الإنسان من العدم
كل واحد منا أتى إلى هذه الدنيا يعرف يوم مولده الذي أتى فيه إلى هذه الدنيا، وكل منا يعلم يقينا أنه قبل هذا كان في عالم العدم لم يكن شيئا يذكر ولا أحد يعلم عنه شيئا.
وتلك حقيقة كل موجود يؤمن بها، وهذا ما أكده القرآن الكريم حيث قال الله: (قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا).
وقال الله: (هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا).
وإثبات إيجاد الله الأشياء من العدم لا يحتاج لدليل؛ لأنه لو لم يكن الله قادرا على إيجاد الأشياء من العدم لما كنا الآن موجودين في هذه الدنيا.
فوجودنا دليل على قدرة الله على الإيجاد من العدم، ومن يقدر على الإيجاد من العدم فهو من باب أولى أقدر على إيجاد الشيء بعد موته.
الإعادة أسهل من الإنشاء أول مرة
في منطق العقل أن إبداع الشيء من العدم أصعب من إعادة إيجاد الشيء الذي كان موجودا؛ لأننا نقول بلغتنا أن الإنسان الذي يبتكر الشيء أكثر من مرة يصبح خبيرا بهذا الشيء ويكون بالنسبة له أسهل بكثير من المرة الأولى التي أوجد فيها هذا الشيء.
وهذا هو الدليل الذي ذكره الله في القرآن حيث أثبت لله أنه هو الموجد الأول للأشياء فليس من الصعب عليه أن يعيد إيجاد هذا الشيء الذي أوجده أول مرة فقال الله:
(وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ).
إنكار العاص بن وائل للبعث
عن سعيد بن جبير قال: جاء العاص بن وائل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعظم حائل ففته، وقال: يا محمد، يبعث الله هذا؟ قال: (نعم يميتك، ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم)،
فنزلت: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ).
مناقشة سورة يس لقضية البعث
في نهاية سورة يس ذكر الله عدة آيات يناقش فيها قضية البعث بعد الموت الذي أنكره هؤلاء المشركون، فقال الله: (أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ)
كيف ينكر الإنسان قدرة الله على بعثه بعد موته والحقيقة أن نفسه التي بين جنبيه هي أكبر دليل على قدرة الله على الإحياء بعد الموت.
فلو تأمل في هذه النطفة التي خلق منها والتي لا يستطيع أن يميز بين أجزائها وفيها ما فيها من الصفات الوراثية وأسرار عظمة الله مما يكشفه لنا العلم ولا يزال يكشف لنا الكثير.
ثم تتحول هذه النطفة التي لا تتميز أجزائها إلى إنسان تتميز أجزائه فيشق الله له سمعه وبصره وأعضاء جسده.
كل هذا كان داعيا للإنسان لأن يقدم الشكر لله على تلك النعم لكن الذي حدث أن هذا الإنسان عاند وخاصم وجادل فكان منه ما ذكره الله في الآية التالية:
استبعاد البعث
ذكر الله موقف المنكر للبعث فقال الله: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ).
تجلت هذه الخصومة في موقف العاص بن وائل لما أتى بعظام وفتتها في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- أتزعم أن الله يبعث هذا بعدما صار رميما، ولا أثر لحياة فيه، وقد تفتت وصار ترابا، فأجابه النبي بأن الله يبعثه ويبعثك ويدخلك جهنم.
وهذا مثال ضربه الله لكل منكر للبعث ممن لا يعملون عقولهم ولا يستدلون بما يشاهدون على ما يغيب عن عقولهم.
الاستدلال بالخلق الأول على البعث
رد على هذا المنكر للبعث فقال: (قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ)
قل أيها الرسول لهؤلاء المنكرين للبعث أن من يقدر على إعادة الناس للحياة بعد موتهم من استطاع إيجادهم أول مرة من العدم.
وهذا أيسر في حكم العقل فهذا هو قياس الأولى، وهو بكل مخلوق واسع العلم لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، فيعيد كل واحد منهم على حالته التي كان عليها، قال الله: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).
ضرب المثل لقدرة الله على البعث
ضرب الله الأمثال لهؤلاء المنكرين للبعث بعد الموت فقال: (ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ).
ورد في التفسير الوسيط: “المراد من الشجر الأخضر على المشهور نوعان: (أحدهما) المرخُ، (والثاني) العَفَار (بفتح العين)، وإخراج النار منهما على ما قاله العلامة أبو السعود:
بأن تقطع منهما عُصيَّتَين مثل السواكين، وهما خضراوان ، يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو أُنثى، فتقدح النار بإذن الله -تعالى- وقيل: المراد من الشجر العموم، لصلاحية كل الأشجار للاتقاد”.
فمن كان قادرا على إخراج النار من الشجر الأخضر الذي به ماء كان قادر على الإحياء بعد الموت.
الاستدلال على البعث بذكر ما هو أعظم
استدل الله على يسر إحياء الناس بعد موتهم بخلق ما هو أعظم من الإنسان ولا شك أن من يقدر على خلق الأعظم يكون من باب أولى أقدر على خلق ما هو أيسر فقال الله:
(أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ)
فما خلق الإنسان بجانب خلق السماوات والأرض إلا شيء يسير، فقال الله في موضع آخر: (لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).
للاطلاع على المزيد: