لاشك أن من يقدر على فعل شيء ويثبت له ذلك يكون قادرا على فعل الأشياء التي تشبه هذا الشيء، والاستدلال بالمشاهدة في عالمنا يدلنا على أن الله قادر على إحياء الموتى.
سهولة أمر البعث بالنسبة لله
الله صاحب قدرة مطلقة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لكن الله تعالى أراد أن يبين لنا قدرته على إحيائنا بعد موتنا فأرانا مشاهد في هذه الدنيا
في عالم الجماد والحيوان والطيور كلها تدلنا بصورة عقلية على قدرة الله على الإحياء بعد الموت.
وتدلنا على أن أمر الخلق والإعادة لكل الأنفس التي لا حصر لعددها ولا يعلمها إلا الله بالنسبة لله كخلق نفس واحدة.
قال الله: (مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ).
إحياء الأرض الميتة
هذا من البراهين الواضحة التي يشاهدها الناس متجددة أمام أعينهم، أن تكون الأرض ميتة لا حياة فيها فإذا أنزل الله عليها الماء تشققت وأخرجت من باطنها هذا النبات الذي به حياة.
وهذا مثال واضح على إخراج الحي الذي هو النبات من الميت التي هي الأرض، وما يجوز في عالم الجماد يجوز في عالم الحيوان، فمن يقدر على إخراج النبات من الأرض الميتة يقدر على إحياء الناس بعد موتهم.
فدليل حياة هذا النبات هو التغذى والنماء كما أن دليل حياة الحيوان هو الحركة بالإرادة.
قال الله وهو يشير إلى تلك الحقيقة في مواضع متعددة من القرآن: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ
فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ).
وقال الله: (فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ).
إخراج الحي من الميت في عالم النبات
من يتأمل في حال البذرة التي نقوم بزراعتها لو كانت هذه البذرة بها حياة فإنها لا تخرج شيئا من النبات، لكنها تنبت إذا كانت ميتة لا حياة فيها.
وربما تكون الحبة صلبة كالصخرة لكن بمجرد أن توضع في الأرض وتتوفر لها أسباب الحياة من التربة الخصبة والماء تنشق مؤذنة بخروج نبات به حياة يتغذى وينموا.
مع أنه في منطق العقل أن البذرة التي بها حياة هي أولى بالإنبات، لكن قانون الله الذي نشاهده بأعيننا يقول إن البذرة الميتة هي التي يخرج منها النبات الحي؛ ليؤكد الله لنا قدرته على إخراج الحي من الميت،
وأن أمر البعث بعد الموت هو من الأمور الميسورة على الله كما أنه من الميسور على الله أن يخرج لنا النبات الحي من البذرة الميتة.
قال الله: (إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ).
إخراج الحي من الميت في عالم الإنسان
إذا تأملنا في حال بني إسرائيل لوجدنا أنهم كانوا أكثر الناس مادية وأبعدهم عن استعمال العقل وشفافية الروح.
من أجل ذلك نجد أن معجم الأدلة الحسية قد وقعت لهم وكانت تحت ناظريهم، فمما يدل على ماديتهم الطاغية طلبهم رؤية الله جهرة فقال الله:
(وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ).
ومما يدل على شدة قساوة قلوبهم قول الله: (ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ
وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ).
لذلك فكل الأدلة الحسية التي وقعت لهم لم تؤثر فيهم، من هذه الأدلة إحياء الناس بعد موتهم في قول الله:
(أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ).
وهذه الآية تحكي عن قوم من بني إسرائيل دعوا للجهاد في سبيل الله لكنهم خافوا من الموت ففروا؛ لأنهم كانوا دائما ما يجبنون عن القتال،
وبالرغم من أن عددهم كان كبيرا فكانوا فوق العشرة آلاف لأن لفظ ألوف هي جمع كثرة يدل على العدد فوق عشرة آلاف،
وأما آلاف فهو جمع قلة يدل على العدد أقل من عشرة آلاف إلى ثلاثة آلاف، فبالرغم من كثرتهم إلا أنهم جبنوا وخرجوا يظنون أن الحذر ينجي من القدر
فأماتهم الله ثم أحياهم الله بعد ذلك؛ ليبين لهم قدرته على إحيائهم بعد موتهم؛ وليعلموا أن الآجال مقدرة وأن الإنسان إذا جاء أجله فلن يتقدم موعد موته ولن يتأخر.
إخراج الحي من الميت في عالم الحيوان
من أدلة البعث بعد الموت التي ذكرها القرآن الكريم قصة الرجل الذي مر على قرية فوجدها خربة لا حياة فيها وقد مات أهلها فتعجب وقال:
كيف يحيى الله هذه بعد موتها فناء أهلها كما هو حال الماديين الذين ينكرون قدرة الله على البعث بعد الموت، فأعطاه الله مثالا حيا في شخصه وفي شخص حماره الذي كان معه
فأماته الله مائة عام ثم بعثه وأحيى حماره، ولا شك أن من يقدر على فعل هذا في نفس واحدة يقدر على فعله في كل الأنفس.
قال الله: (أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ
قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ
وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ).
إخراج الحي من الميت في عالم الطيور
من أدلة إخراج الحي من الميت ما ذكره الله في قصة نبي الله إبراهيم لما طلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فأمره الله أن يأخذ أربعة من الطير ويقطعهن أجزاء ويخلطها ببعضها ثم يضع على كل جبل منها جزءا ثم يدعهن فسيأتينه سعيا.
وهذا إنما هو الأدلة الحسية التي أراها الله لنبيه في الدنيا لتكون دليلا لمن بعده على قدرة الله على إحياء الموتى.
قال الله: (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ
قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ).
للاطلاع على المزيد: