أهمية الزواج في الإسلام، وكيف حافظ الإسلام على كيان الأسرة؟
الزواج هو المكون الرئيسي للأسرة، والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، والمجتمع في مجموعة عبارة عن مجموعة من الأسر فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع.
الأنبياء كونوا أسرة
الوضع الطبيعي والفطري للإنسان هو أن تكون له زوجة وأولاد وهذا هو المكون الطبيعي للأسرة.
وقد بين الله تعالى لنا في معرض الامتنان علينا أنه جعل لنا زوجات من أنفسنا نألف بها وتألف بنا فقال الله: (فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا).
وبين الله تعالى أن ذلك من سنن الأنبياء والمرسلين فقد كانت لهم زوجات ولهم أبناء فكونوا أسرا فقال الله:
(وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ).
الزواج رباط مقدس
الحياة الزوجية في نظر الإسلام حياة مقدسة، حيث جعل الله هذا الزواج رباطا مقدسا يجب على كل من الزوج والزوجة أن يحترمه.
قال الله: (وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا).
الزواج سكن ومودة
بين القرآن الكريم أن هذا الزواج جعل الله فيه السكن والمودة وهو آية من آيات الله فقال الله:
(وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ).
فهذا الزواج آية من آيات الله حيث تترك المرأة بيت أبيها وتترك أقاربها وأحبابها لتقترن برجل غريب عنها.
وما فعلت ذلك إلا لأنها ستجد عنده من المودة والسكن ما لا تجده عند من هم أقرب الناس لها، وهذا إنما هو ميثاق فطري دلت عليه الفطرة الإلهية.
ومن حكمة الله أن جعل الزوج والزوجة من جنس واحد لأن الجنس إلى الجنس أميل، والنوع إلى النوع أكثر ائتلافا وانسجاما، وهذه المودة والرحمة إنما حدثت بسبب هذا الزواج الذي هو من آية من آيات الله.
والتعبير القرآني يستخدم لفظ الآية والآيات في الأمور الجليلة ليلفت أنظار الخلق إلى عظمة الله وقدرته، فعندما تكلم الله عن خلق السماوات والأرض عبر بلفظ الآيات فقال:
(إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ).
وهنا لما تكلم الله عن خلق الزوجات من أنفسنا والمقصود من أبينا آدم حيث خلق الله حواء من ضلعه عبر عن ذلك بلفظ الآيات وقرن ذلك بالتفكر ليكون ذلك سبيل لأن يستقر الإيمان في القلب.
رغبات النفس دافعة للزواج
لولا ما ركبه الله في النفس من شهوات لما رغب أحد في الزواج، فما من أحد كان سيقدم على أمر الزواج وتحمل كل هذه المسئوليات.
لكن تركيبة الإنسان بما اشتملت عليه من شهوات هي التي دفعته لهذا الزواج، من هذه الشهوات شهوة الفرج فقال الله:
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ).
وشهوة حب الأبناء والتي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الزواج فقال الله:
(ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا).
والأسرة لها في الإسلام مقاصد عديدة منها:
تنظيم الطاقة الجنسية
الجنس في الإسلام ليس مذموما في كل الأحوال ولا يحاربه الإسلام ولا يحاول القضاء عليه، وإنما هو الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها لكن الإسلام يحرمه تحريما تاما في خارج إطار الزواج.
ويطلق له العنان داخل إطار الزواج المشروع الذي أحله الله، فهو الوسيلة التي يتم بها التكاثر والتوالد وبقاء الجنس البشري.
لذلك فإن الإسلام أحاطه بعنايته ونظر إليه نظرة مقدرة عندما جعل هذا العمل إذا وضع الإنسان له نية صالحة بأن يعف به نفسه وزوجته عن الحرام فإنه يؤجر على هذا الفعل ويكون أجرا له كما أنه لو وضعه فيما حرمه الله يكون عليه الوزر.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال:
أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا)[مسلم]
طلب الذرية الصالحة
من المقاصد العظيمة في الإسلام وراء تكوين الأسرة هو طلب الذرية، فليس الزواج مقصودا في حد ذاته وإنما يقصد من ورائه النسل والذرية الصالحة التي يترتب عليها عمارة الأرض.
قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ).
فالذرية هم بهجة هذه الحياة وزينتها، وهم مصدر المباهاة التي يباهي بها النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كانوا على المستوى المطلوب من الإيمان بالله والعمل بما أمر الله به.
عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: عرضت علي الأمم، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي فقيل لي:
هذا موسى -صلى الله عليه وسلم- وقومه، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، …)[مسلم]
لقد كان الأنبياء يطلبون من الله أن يرزقهم الذرية الصالحة التي يكون بها عمارة الأرض بعبادة الله وطاعته ويكونون أجرا لآبائهم.
فقال نبي الله إبراهيم: (رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ).
ونبي الله زكريا طلب من ربه أن يرزقه الذرية الطيبة فقال: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ).
وذلك لأن الإنسان في حاجة لتلك الذرية التي تشد من أزره عند كبره، والتي تكون امتدادا له بعد موته بالذكر الحسن.