خلق الله الإنسان وهيأ له الحياة على كوكب الأرض فأنزل الماء من السماء، وأنبت له الزرع والزيتون والنخيل والأعناب والثمار من الأرض، وأمر الله الإنسان بحرث الأرض لتخرج له النبات.
ما هي أطيب المكاسب؟
تكلم العلماء عن أطيب المكاسب وذكروا أن أفضلها ثلاثة: التجارة والصناعة والزراعة،
وكل فريق من العلماء يفضل نوعا على الآخر، فأما الذين فضلوا الزراعة وقال إنها أطيب المكاسب فاستدلوا على ذلك بأنها أقرب إلى التوكل على الله.
وهي أكثر تذكيرا بفضل الله وقدرته، ولأن الزراعة فيها نفع عام يعم الإنسان وكل الدواب، ولأنها لابد فيها من الأكل بغير عوض.
وأما من قال إن أطيب المكاسب التجارة فقد استدل على ذلك بقول الله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ).
وأما من فضل الصناعة فقد استدل بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده).
وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- داود -عليه السلام- دون غيره؛ لأنه كان ملكا مفخما يمكنه أن يستغني عن عمل اليد بالأخذ من بيت المال لانشغاله بأمر رعيته، لكنه أخذ بالأحوط وفضل عمل اليد على غيره.
والحقيقة أن كل نوع من هذه المكاسب قد يكون هو الأفضل إذا كان يحتاج الناس إليه أكثر من غيره، فكل شيء يختلف باختلاف أحوال الناس وظروفهم، واختلاف الزمان.
والصواب ما نص عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن أفضل المكاسب ما كان من عمل اليد سواء كان زارعا أو تاجرا أو صانعا.
الأجر على الزراعة
الزراعة من أجل الأعمال التي يحصل الإنسان من وراءها على الأجر العظيم، فما من أحد ينتفع بهذا الزرع إلا كان أجرا لزارعه، سواء كان الآكل إنسانا أو حيوانا أو طيرا.
وسواء كان المنتفع من هذا النبات في حياته أو بعد موته، فمهما بقي هذا الزرع في الدنيا باقيا ينتفع منه خلق الله فإن صاحبه ينتفع بالأجر والثواب وهو في قبره.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)[البخاري]
قال المهلب: وهذا يدل على أن الصدقة على جميع الحيوان، وكل ذي كبد رطبة فيه أجر.
فما يزرعه الإنسان يكون له فيه أجر مستمر كلما انتفع الناس به كلما وصله أجره، فهو من الصدقات الجارية التي ينتفع بها الإنسان في قبره ما بقيت هذه الشجرة في الدنيا ينتفع الناس بها.
إعمار الأرض بالزراعة
يحث الإسلام أبناءه على إعمار الأرض بالزراعة وألا يتكاسلوا عن هذا الأمر بأي سبب من الأسباب حتى ولو كانت القيامة تقوم عليهم؛ لأنها أجر لصاحبها وإعمار في الأرض، ونفع لمن يأتي من بعدنا.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)[أحمد]
نزرع لننفع من بعدنا
الزراعة التي نقوم بها اليوم تنفع من بعدنا، فقد لا يدرك الرجل ثمرة الشجرة التي يقوم بزراعتها، لكنه كما أدرك ثمرة الشجرة التي زرعها من قبله، يزرع هو اليوم لينتفع بثمرة شجرته من يأتي من بعده، فيكون له أجر يعود عليه وهو في قبره.
فقد روى أن رجلا مر بأبي الدرداء وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهذه لا تطعم إلا في كذا عاما فقال: وما على أن يكون لي أجرها يأكل منها غيري.
وذكر أبو الوفاء البغدادي أنه مر أنو شروان على شيخ يغرس شجر الزيتون فقال له: ليس هذا أوان غرسك الزيتون وهو شجر بطيء الإثمار.
فأجاب: غرس من قبلنا فأكلنا ونغرس ليأكل من بعدنا فقال أنو شروان: زه أي أحسنت وكان إذا قال: زه يعطى من قيلت له أربعة ألاف درهم.
فقال: أيها الملك كيف تتعجب من غرسي وإبطاء ثمره فما أسرع ما أثمر، فقال: زه فزيد أربعة ألاف أخرى،
فقال: كل شجرة تثمر في العام مرة وقد أثمرت شجرتي في العام مرتين، فقال: زه فزيد مثلها ومضى أنو شروان فقال: إن وقفنا عليه لم يكفه ما في خزائننا.
الزراعة أقرب إلى التوكل على الله
الزراعة تعلم المسلم كيف يكون التوكل على الله وذلك عندما يضع الحبة في باطن الأرض فيؤدي ما عليه من الأخذ بالأسباب ثم يتعلق قلبه بالله فهو وحده الذي يقدر على إخراج النبات الحي من تلك الحبة الميتة.
وروي البيهقي في الشعب والعسكري في الأمثال أن عمر بن الخطاب لقي ناسا من أهل اليمن فقال: من أنتم؟ فقال: متوكلون، فقال: كذبتم، فقال: إنما المتوكلون رجل ألقى حبه في التراب وتوكل على رب الأرباب.
الزراعة فيها تذكير بقدرة الله
القيام بالزراعة يذكر الإنسان بقدرة الله، وذلك عندما يرى الحياة تعود للأرض بعد موتها بنزول الماء عليها فتخرج النبات، وقال الله:
(وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ).
وعندما يرى الحبة التي بها نضارة وحياة لا يخرج منها النبات، لكن النبات ينبت من الحبة الميتة، فهذا نوع من التذكير بقدرة الله وقوله:
(يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَيُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ وَكَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ).
وعندما يرى اختلاف الزروع والثمار فهذه فاكهة حلوة وأخرى حامضة وأخرى مُرّة، وهذا نبات له شكل لون وطعم آخر وكلها تزرع في أرض واحدة وتسقى بماء واحد ألا يدل كل هذا على قدرة الله وعظمته.
قال الله: (وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ).
الزراعة فيها نفع عام
الزراعة من المنافع التي نستخرج بها الخيرات من باطن الأرض، فنخرج بها أقوات الناس ونستخرج بها الثمار والفواكه.
ويأكل منها كل ما يدب على الأرض من الإنسان والحيوان والطيور، وبقدر هذا النفع العام يكون الأجر الذي يحصل عليه من يقوم على الزراعة.
ما يستحب للزارع قوله
قال الحليمي: يستحب لكل من ألقى في الأرض بذرا أن يقرأ بعد الاستعاذة: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ).
ثم يقول: اللّه الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين.
للاطلاع على المزيد: