إذا كان الإنسان يحتاج للطعام والشراب لحياة جسده لأنها غذاؤه، فإنه في حاجة إلى هداية الله عن طريق إرسال الرسل لحياة روحه.
الفائدة من وراء إرسال الرسل
حاجة البشرية لإرسال الرسل كحاجتها إلى الحياة، فلن تستقيم حياة الناس بدون إرسال الرسل؛ لأن الناس لو تركوا لأهوائهم ستتنازعهم الشهوات والأهواء.
فكل فصيل يريد أن يسيطر على الآخر، وكل يريد الغلبة لنفسه، وبذلك تتحول حياة الناس لحروب ونزاع مستمر بينهم، فيفقدون الحياة الآمنة المطمئنة.
لكن الله رحم الخلق وأرسل لهم الرسل ليعلموهم ما يصلحهم في دنياهم وأخراهم، فنظموا لهم أمور العبادة لله.
وكيف يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان، وكيف يتعامل الابن مع أبيه وأمه، والأخ مع أخيه.
وعلموهم أن الإصلاح في الأرض وفعل الخير، مما يحبه الله ويرضى عن صاحبه، وأن فعل الشر والإفساد في الأرض مما يبغضه الله ويعاقب صاحبه عليه.
وكل أمة يكثر فيها المصلحون ويقل فيها المفسدون يكثر خيرها وينعم الناس فيها، وكل أمة يقل فيها المصلحون ويكثر فيها المفسدون يكثر شرورها ويعيش الناس في شقاء دائم.
حاجة البشر للرسل
الناس في أشد الاحتياج لرسالات الأنبياء كحاجة الأرض للماء عند شدة القحط، وهذا هو ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما بين حاجة الناس إلى العلم الذي جاءه من عند الله فقال:
(مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير،
وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا،
وأصابت منها طائفة أخرى، إنما قبعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ،
فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)[البخاري]
والغيث هو الماء الذي يأتي عند شدة احتياج الناس إليه، فحاجة الناس لهذا الهدى كحاجة الأرض لهذا الماء.
معرفة أوامر ونواهي الله
من فوائد إرسال الرسل أننا نعرف عن طريقهم الأوامر التي أمر الله بها والنواهي التي نهى الله عنها؛ لأننا لا يمكن أن نصل لمعرفة ذلك إلا من خلال رسل الله، وهي أمور لا يمكن للعقول أن تستقل بإدراكها.
تحقيق سعادة الدنيا والآخرة
لا سبيل للإنسان لتحقيق سعادة الدنيا والآخرة إلا عن طريق الرسل، قال الإمام ابن القيم: (ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول، وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر،
فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلاّ على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلاّ من جهتهم،
ولا يُنال رضا الله ألبتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به،
فهم الميزان الراجح، الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال،
فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير.
إرسال الرسل قاطع لحجج الناس
أرسل الله الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل إذا حاسبهم على أعمالهم، فإذا لم يرسل إليهم رسولا لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا كلامك فنتبعه.
قال الله: (وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ)
فأبطل الله حجتهم وأرسل إليهم رسله فقال الله: (رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا).
وما من أمة من الأمم إلا وأرسل إليهم رسولا فقال الله: (إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ).
لا عذاب بدون إرسال الرسل
من رحمة الله بعباده أنه بين لهم أنه لن يعذبهم إلا بعد أن يقيم الحجة عليهم بإرسال الرسل، فإذا وصلتهم رسالة الله عن طريق رسله ثم خالفوا أوامر الله لهم عرضوا أنفسهم لعقاب الله، لكنهم إذا لم يأتهم رسول فلن يعاقبوا، قال الله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا).
عدد أنبياء الله ورسله
يجب على كل مؤمن أن يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله إجمالا أن الله أرسل رسلا لهداية الناس بالبشارة والإنذار،
وأن هناك من هؤلاء الأنبياء من قصهم الله علينا ومنهم من لم يقصهم علينا فقال الله تعالى: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ).
وأما الذين ورد ذكرهم في القرآن خمسة وعشرون، وذكر الله ثمانية عشر منهم في قوله:
(وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَيۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ
وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ
وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ
وَمِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡ وَإِخۡوَٰنِهِمۡۖ وَٱجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ)
وأما السبعة الباقون فهم: آدم وإدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم.