العقيدة السليمة في ذات الله تدل عليها الفطرة القويمة، والعقول السليمة، ويؤكدها الوحي الذي أوحاه الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.
عمل الجوارح صورة لما في القلوب
الأعمال الظاهرة التي تقوم بها جوارح الإنسان ما هي إلا انعكاس للاعتقاد الذي يحمله الإنسان في قلبه.
فإذا كان الإنسان يحمل اعتقادا فاسدا كان عمل الجارح ترجمة لهذا الاعتقادالفاسد، فمن يحمل في قلبه الكره تأتي تصرفات جوراحه مطابقة لهذا الكره، ومن يحمل في قلبه الرفق جاءت أعمال جوراحه مطابقة لهذا الرفق.
والقلب هو محل الاعتقاد، فهو محل الإيمان والكفر، والحب والبغض، والرفق والقسوة، فإذا صلح أمر هذا القلب صلحت أعمال الجوارح معه، وإذا فسد هذا القلب فسدت أعمال الجوارح معه.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[البخاري]
الشيطان للإنسان بالمرصاد
المهمة التي وهب الشيطان نفسه لأجلها هي إغواء الناس وإضلالهم عن طريق الله، من أجل ذلك طلب من الله الخلود في هذه الدنيا حتى يضل أكثر الناس عن الإيمان بالله، ووعد بأنه لن يترك سبيلا يضل الناس من خلاله إلا وسلكه.
قال الله: (قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ).
لكن الله استثنى عباده المخلصين من إغواء الشيطان فلن يجد له سبيلا عليهم، فقال الله: (إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ).
مهمة الشيطان في كل يوم
المهمة التي يقوم بها الشيطان وهو وأبناؤه من الشياطين أنهم يقومون بإغواء بني آدم وإضلالهم.
فأعظمهم عنده مكانة أعظمهم فتنة، وإن أعظم هؤلاء فتنة هو الشيطان الذي يفرق بين الرجل وزوجته، هذا هو الذي يدنيه إبليس ويقربه منه.
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة، أعظمهم فتنة.
يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته.
قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه)[مسلم]
وهذا معناه أن إبليس له عرش وهوسرير الملك ينصبه على البحر، ومن هذا الموضع ينشر صبيانه في بني آدم ليقوموا بفتنتهم، فلا يعجبه ولا يمدح إلا من فرق بين الرجل وزوجته.
مهمة الشيطان التحريش بين المؤمنين
المهمة التي يقوم الشيطان بها بين المؤمنين هي مهمة التحريش بينهم بالخصومات النزاعات التي تحملهم على أن يقاتل ويفني بعضهم بعضا؛ لأنه قد يأس أن يرتد الناس على أعقابهم فيكفرون بالله ويعودون لعبادة الأصنام.
عن جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)[مسلم]
قال النووي: “هذا الحديث من معجزات النبوة وقد سبق بيان جزيرة العرب ومعناه أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها”.
من خلق الله
الشيطان لا ييأس من ابن آدم ولا يزال متربصا به كلما وجد فرصة لزعزة إيمانه انتهزها، فيلقي في نفسه الشبهات التي تزعز الإيمان.
فيقول الشيطان أحيانا للإنسان من خلق الله، وهذا سؤال باطل ينبغي ألا يلتفت الإنسان إليه لأن الموجودات أنواع:
فهناك ما هو واجب الوجود وهو الله الذي لا أول لوجوده ولا نهاية له.
وهناك ممكن الوجود وهو كل مخلوق.
وهناك مستحيل الوجود كوجود شريك لله.
فهذا السؤال الذي يطرحه الشيطان إنما هو مناسب مع ممكن الوجود فنقول من خلق كذا ومن خلق حتى نصل للخالق الأول الذي لا أول له وهو واجب الوجود وهو الله، فواجب الوجود لا ينقلب ممكنا ولا ينقلب الممكن واجبا.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله)[البخاري]
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله ولينته)[مسلم]
والمعنى أنه لا يزال الناس يأتيهم ويستدرجهم وهو يقول لهم من خلق كذا وكذا حتى يأتي على هذا السؤال الباطل فيقول من خلق الله؛
لأن الله واجب الوجود وكون الله غير مخلوق أمر ضروري وإلا لزم الدور والتسلسل، وهذا أمر مستحيل؛
لأننا لو افترضنا لكل مخلوق خالق فإننا لابد وأن ننتهي لخالق ليس له خالق لأنه لو كان له خالقا لكان من جملة المخلوقات ولم يكن خالقا،
فلابد من وصول الإنسان لغاية الغايات ونهاية النهاية وهو الخالق الذي لا خالق له وهو الله، فإذا طلب الشيطان منك الجواب عن هذا فلابد وأن تنته عن التفكر في ذلك وأن تستعذ بالله من وسوسة الشيطان.
ويسن لمن عرض له هذا السؤال أن يتفل عن يساره ثم يقرأ سورة الإخلاص.
عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: فذكر نحوه -الحديث السابق-، قال:
(فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان)[أبو داود]
الوسوسة بالسوء عن ذات الله
من الأمور التي يلجأ إليها الشيطان هي أن يوسوس لابن آدم ويلقي في قلبه أمورا لا تليق عن ذات الله ليدخل عليه الهم والغم وليوقعه فيما لا يجوز من الاعتقاد والتصور.
عن عبد الله قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: تلك محض الإيمان)مسلم
وعن أبي هريرة؛ قال: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: (وقد وجدتموه؟) قالوا: نعم. قال: (ذاك صريح الإيمان)[مسلم]
وهذا معناه أن الشيطان يوسوس لمن أيس من إغوائه، واستعظام التحدث بما يلقيه الشيطان في قلوبكم إنما هو صريح الإيمان؛ لأن عدم كلامكم بما هو في نفوسكم مما لا يليق بذات دليل على شدة خوفكم ورهبتكم من الله.
قال النووي: “فقوله صلى الله عليه وسلم ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك”.