رسالات الأنبياء جميعا متحدة في أصولها وجوهرها، فكلهم أمروا أقوامهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وكلهم أمروا أقوامهم بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال.
الدعوة إلى عبادة الله
ما من نبي أتى قومه إلا وأمرهم بعبادة الله وحده، وحذرهم من سوء عاقبة عبادة من سوى الله.
قال الله: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ).
فعقيدة التوجيد هي عقيدة الرسل التي أوحى الله بها إليهم، قال قتادة: “لم يرسل الله نبيا إِلا بالتوحيد، وإن اختلفت الشرائع”.
ونجد أن قول الله تعالى: (يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ) هذا القول تكرر في القرآن مع نبي الله نوح وهود وصالح وشعيب.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأنبياء جميعا كانوا متفقين في دعوتهم حيث دعوا الناس إلى إخلاص العبادة لله وحده، والطاعة لله رب العالمين.
الدعوة إلى مكارم الأخلاق
كل الأنبياء دعوا أقوامهم إلى فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق، فما من نبي إلا وكان يحاول أن يرتقي بقومه ويعدل من سلوكهم.
فيأمرهم بألا يغتروا بقوتهم وأن يتواضعوا لله فهو الذي وهبهم تلك القوة في الأجسام وأعانهم على تلك العظمة في البنيان.
فقال الله على لسان هود لقومه: (أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةٗ تَعۡبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِينَ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيٓ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنۡعَٰمٖ وَبَنِينَ وَجَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ)
الدعوة للإصلاح في الأرض
كان من دعوة الأنبياء لقومهم أنهم يأمرونهم بالإصلاح في الأرض والبعد عن الفساد، فإن السلوك السوي الذي يتوافق مع المؤمنين بالله هو سلوك الإصلاح.
وأما الإفساد فهو سلوك الكافرين الذين يعيشون ليومهم الحاضر ولا يفكرون في غدهم.
قال الله على لسان صالح وهو يدعوا قومه: (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيب مُّجِيب).
النهي عن الغش في الكيل والميزان
من الأعمال الباطلة التي جاء الأنبياء لينهوا أقوامهم عن فعلها هو الغش في الكيل والميزان، وأكل أموال الناس بالباطل، لأن هذا نوع من الإفساد في الأرض.
وهذا واضح في دعوة نبي الله شعيب لقومه حيث قال الله: (وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ
وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ).
النهي عن ارتكاب الفواحش والشذوذ
من أشد الجرائم التي فيها خروج عن الفطرة السليمة ارتكاب الفواحش والشذوذ، فهذا من أشد الجرائم التي حذر القرآن منها، والتي أرسل الله أنبياءه ليحذروا الناس من الوقوع فيها،
فهذا نبي الله لوط يدعو قومه وينهاهم عن إتيان الفواحش واشتهاء الذكور لكنهم أصروا على بغيهم فأنزل الله بهم بأسه وعذابه وانزل عليهم حجارة من السماء ترجمهم.
قال الله: (وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡم مُّسۡرِفُونَ)
فكان جزاؤهم أن أمطر الله عليهم حجارة من السماء ورفعهم على طرف جناح جبريل في السماء ثم قلب الأرض بهم، قال الله: (وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ).
الأنبياء جاءوا بمنهج متكامل
البناء الذي بناه الأنبياء إنما هو بناء متكامل يكمل بعضه بعضا، فليس هناك نبي جاء لينقض ما بناه نبي سابق في مجال الدعوة لله والتحلي بمكارم الأخلاق.
والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أكد على هذا المعنى في أكثر من حديث فقال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)[أحمد]
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثلي ومثل الأنبياء، كرجل بنى دارا، فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة)[البخاري]
اختلاف شرائع الأنبياء
إن كانت أصول دعوة الأنبياء واحدة من عبادة الله والدعوة لمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال فإن الاختلاف بينهم إنما هو اختلاف في الفروع في بعض التشريعات حيث راعت التشريعات ظروف كل قوم وما يتناسب مع حالهم في بعض الأوامر والنواهي.
فقد حرم الله على اليهود أمورا من باب العقاب لهم وأحله لقوم آخرين، فقال الله: (وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ).
فلما جاء عيسى -عليهم السلام- رفع الله هذه العقوبة عنهم وأحل لهم ما كان محرما عليهم فقال الله على لسان عيسى: (وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ).
أصول الشرائع واحدة
إن أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء من الصلاة والزكاة والصيام وغيرها واحدة لكنها بكيفية يعلمها الله، فقال الله عن الصلاة في دعاء نبي الله إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ).
وقال الله عن الزكاة على لسان عيسى -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا).
وقال الله عن الصيام: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ).