تعريف بالإمام مالك وطلبه للعلم وكيف كان مجلس علمه
الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري أبو عبد الله هو الإمام الحافظ فقيه الأمة شيخ الإسلام المدني فقيه وإمام دار الهجرة.
أصول أسرة الإمام مالك
الإمام مالك من أصول يمنية نزحت إلى المدينة المنورة، ولا اختلاف في ذلك لكن اختلف العلماء في الجد الذي هاجر إلى المدينة.
فذكر القاضي بكر بن علاء القشيري: “أن أبا عامر بن عمرو جد أبي مالك -رحمه الله- من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وشهد المغازي كلها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خلا بدراً»
وقال عبد الله بن مصعب: «قدم مالك بن أبي عامر المدينة متظلماً من بعض ولاة اليمن فمال إلى بعض بني تيم بن مرة، فعاقده وصار معهم».
ولادة الإمام مالك
ولد الإمام مالك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة بذي المرة، وكان والده يعمل نبالا أي يصنع النبال.
قال أبو مصعب: “كان أبو مالك بن أنس مقعداً … وكان يعيش من صنعة النبل”
ثم انتقلت أسرته من ذي المرة إلى العقيق على مشارف المدينة، ثم تحول مالك بعد ذلك إلى المدينة، وكان منزله في بيت عبد الله بن مسعود.
أولاد الإمام مالك
قال ابن عبد البر: “كان لمالك -رحمه الله- أربعة من البنين يحيى، ومحمد، وحمادة، وأم ابنها. فأما يحيى وأم ابنها فلم يوص بهما، إلى أحد، فكانا مالكين لأنفسهما.
وأما حمادة ومحمد فأوصى بهما إلى إبراهيم بن حبيب، رجل من أهل المدينة، كان مشاركاً لمحمد بن بشير».
وكانت ابنة الإمام مالك تحفظ الموطأ لأبيها، وأما ابنه محمد فلم يفلح في طلب العلم.
قال الزبير: “كان لمالك ابنة تحفظ علمه يعني الموطأ، وكانت تقف خلف الباب، فإذا غلط القارئ نقرت الباب فيفطن مالك فيرد عليه.
وكان ابنه محمد يجيء وهو يحدث وعلى يده باشق، ونعل كتب فيه، وقد أرخى سراويله فيلتفت مالك إلى أصحابه، ويقول: إنما الأدب مع الله، هذا ابني وهذه ابنتي».
وقال الفروي: “كنا نجلس عنده وابنه يدخل ويخرج ولا يجلس، فيقبل علينا ويقول: إن مما يهون عليّ أن هذا الشأن لا يورث”
بداية الإمام مالك في طلب العلم
أول من وجه الإمام مالك لطلب العلم هي أمه وهي عالية بنت شريك الأزدية، حيث وجهته إلى كتاب بني تيم فحفظ القرآن، ثم رغب مالك في طلب العلم فأخبر أمه بذلك فقالت له أمه:
“تعال فالبس ثياب العلم، يقول مالك: فألبستني ثياباً مشمرة، ووضعت الطويلة على رأسي، وعممتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن”
اشتغال الإمام مالك بالتجارة
كان مالك يشتغل بالتجارة مع أخيه النضر حتى يساعده في نفقات البيت، قال ابن بكير: “كان أخوه النضر يبيع البز، وكان مالك معه بزازاً، ثم طلب العلم”
تعظيم الإمام مالك لقيمة العلم
عرف عن الإمام مالك أنه كان معظما للعلم، قال ابن أبي أويس: سمعت مالك بن أنس يقول:
“إن هذا العلم هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة، فانظر عمن تأخذه”
وكان الإمام مالك يتحرى في طلب العلم فلم يكن يحدث عن أي أحد يلقاه وإنما كان ينتقي مشايخه من أهل الثقة والإتقان.
قال مطرف بن عبد الله: إني أشهد مالكاً يقول: “أدركت ببلدنا هذا – يعني المدينة – مشيخة، لهم فضل وصلاح وعبادة، يحدثون، فما كتبت عن أحد منهم حديثاً قط.
قلت: لِمَ يا أبا عبد الله؟ قال: لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدثون. قال: وقال مالك: كنا نزدحم على باب ابن شهاب”
تدريس الإمام مالك العلم
بدأ الإمام مالك نشاطه في التدريس في حياة شيخه نافع مولى عبد الله بن عمر، قال أيوب السختياني: “قدمت المدينة في حياة نافع ولمالك حلقة”.
ولم يجلس الإمام مالك للتدريس إلا بعد أن أجازه سبعون من أهل العلم.
قال مالك: “ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس. وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني لموضع لذلك”
مجالس العلم للإمام مالك
كان الإمام مالك كثير الاحترام والتوقير لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان إذا جلس يخير طلابه بين الفقه أو الحديث فما يرغبون فيه يكلمهم فيه، وكان يغتسل لمجلس الحديث ويتطيب ويلبس الجديد من الملابس.
وكان يجعل للفقهاء مجالس خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم.
قال مطرف: “وكان مالك إذا أتاه الناس خرجت إليهم الجارية، فتقول لهم: يقول لكم الشيخ: تريدون الحديث أو المسائل؟
فإن قالوا: المسائل. خرج إليهم، فأتاهم، وإن قالوا: الحديث،
قال لهم: اجلسوا، ودخل مغتسله، فاغتسل، وتطيب، ولبس ثياباً جدداً، ولبس ساجه، وتعمم، ووضع على رأسه طويلة،
وتلقى له المنصة، فيخرج إليهم وقد لبس وتطيّب، وعليه الخشوع، ويوضع عود فلا يزال يُبَخّر حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم”
شيوخه الإمام مالك
كان الإمام مالك له كثير من الشيوخ الذين روى عنهم أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم:
نافع مولى عبد الله بن عمر حيث استفاد منه استفادة تامة، قال مصعب: “كان مالك يقود نافعاً من منزله إلى المسجد، وكان قد كف بصره، فيسأله فيحدثه، وكان منزل نافع بناحية البقيع”
و قال مالك: “كنت آتي نافعاً مولى ابن عمر، وأنا يومئذ غلام، ومعي غلام لي، وينزل إليّ من درجة له فيقعدني معه فيحدثني”
ومن شيوخ الإمام مالك أيضا المقبري ونعيم المجمر والزهري وابن المنكدر وآخرون .
وكان الإمام مالك أثبت من روى عن الإمام الزهري، قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي من أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء.
تلاميذ الإمام مالك
حدث عن الإمام مالك الكثير ممن لا يحصون من كثرة عددهم منهم: عبد الله بن المبارك، والقطان، وابن مهدي، وابن وهب، وابن القاسم وآخرون
ثناء العلماء على علم الإمام مالك
أثنى العلماء كثيرا على الإمام مالك في علمه فهذا هو الإمام عبد الرزاق يقول في حديث: (يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة) فكنا نرى أنه مالك وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم على مالك أحدًا.
وقال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم. وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز.
وقال الشافعي: ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابًا من موطأ مالك.
وهذا قبل أن يأتي الإمام البخاري فيؤلف صحيحه فما بعد كتاب الله كتاب أصح من كتاب البخاري كما قال العلماء
وقال ابن مهدي: مالك أفقه من الحكم وحماد. وقال ابن وهب: لولا مالك والليث لضللنا.
توقير الأمراء للإمام مالك
قال أبو مصعب سمعت مالك يقول: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وهو على فراشه وإذا صبي يخرج ثم يرجع فقال لي: أتدري من هذا؟ فقلت: لا،
قال: ابني وإنما يفزع من هيبتك، قال: ثم سألني عن أشياء منها حلال ومنها حرام، ثم قال لي: أنت والله أعقل الناس وأعلم الناس؛ قلت: لا والله يا أمير المؤمنين.
قال: بلى ولكنك تكتم، لئن بقيت لأكتبنّ قولك كما يكتب المصاحف ولأبعثنّ به إلى الآفاق فأحملهم عليه.
وصف مجلس علم الإمام مالك
قال قتيبة وهو يصف مجلس العلم الذي يجلس فيه الإمام مالك:
“كان مجلسه مجلس وقار وحلم وعلم، وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع الصوت،
وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه،
وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة، فليس أحد ممن يحضره يدنو ولا ينظر في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالًا وكان إذا أخطأ حبيب فتح عليه مالك”.
وفاة الإمام مالك
عاش الإمام مالك ستا وثمانين سنة، قال يحيى بن بكير فقال سمعت مالكا يقول: ولدت سنة ثلاث وتسعين.
وأما وفاته فقالوا في سنة تسع وسبعين ومائة رحمة الله عليه.
للاطلاع على المزيد:
تعرف على رحلة المحدثين في طلب العلم