العقيدة الإسلامية

معرفة الله والاستدلال على وجوده من خلال العقل

معرفة الله تعالى هي أجل المعارف التي يصل إليها الإنسان، فهي طب القلوب ودواؤها، وعافية الأبدان وشفاؤها، بها يدرك الإنسان ما يجب عليه نحو خالقه، وكيف يستدر رحمته.

التفكر والتدبر

من أردا الوصول لمعرفة الله فعليه أن يتفكر ويتدبر في كل شيء حوله حتى يقوده هذا التفكر لمشاهدة آثار عظمة الله في كل شيء حوله.

فقد ذكر الله هؤلاء المتفكرين فقال: (إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا ‌وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ)

إعمال العقل

العقل هو هذا النور الذي وضعه الله في الإنسان ليتفكر ويدرك به حقائق الأشياء من حوله، فبالعقل يستطيع الإنسان أن يستدل على وجود خالق هذا الكون، وبدونه يكون مثله كمثل الحيوان الذي لا يعقل شيئا.

قال الله: (إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ ‌فَأَحۡيَا ‌بِهِ ‌ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ).

لقد جعل الله العقل هو مناط التكليف، وبدونه يرفع الله التكليف عن الإنسان؛ لأن العقل هو جهاز الاستقبال في الإنسان، وهو الذي يفهم به أوامر الله له.

لقد اعترف أهل النار بأنهم لم يعملوا عقولهم حين رفضوا الإيمان والهدى الذي جاءهم، قال الله: (وَقَالُواْ ‌لَوۡ ‌كُنَّا ‌نَسۡمَعُ ‌أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ فَٱعۡتَرَفُواْ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقٗا لِّأَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ).

وجود الله هو الحقيقة العظمى

الحقيقة العظمي التي استقرت في القلوب وأقرتها العقول هي حقيقة وجود الله التي دل عليها كل شيء في هذا الكون.

لقد أقر هؤلاء المشركون بتلك الحقيقة فأكدوا أن الخالق للسماوات والأرض هو الله فقال الله:

(‌وَلَئِن ‌سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ).

وأقروا بأن الخالق للإنسان هو الله، فقال الله: (‌وَلَئِن ‌سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ).

فوجود الله اعترف به المؤمنون وغير المؤمنين، وأقرته الفطرة السليمة والعقول القويمة.

وجود الخلق دليل على وجود الله

هذه المخلوقات التي خلقها الله في هذا الكون كلها دالة على وجود الله وقدرته، فليس هناك عقل سليم يستطيع تصور وجود مخلوق بدون خالق أو وجود صنعة بدون صانع، وهناك افتراضات ثلاثة لوجود تلك المخلوقات:

الوجود من العدم

الأول: أن تكون هذه المخلوقات وجدت من العدم، وهذا افتراض باطل لأن العدم لا يوجد شيئا فكيف يوجد وهو غير موجود ففاقد الشيء لا يعطيه.

قال الله: (‌أَمۡ ‌خُلِقُواْ ‌مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ).

الوجود حدث مصادفة

الثاني: أن تكون هذه المخلوقات قد وجدت مصادفة، وهذا أيضا احتمال باطل؛ لأن المصادفة توجد مرة أو مرتين لكن لا يمكن أن توجد ملايين المرات بانتظام وإحكام منذ أن خلق الله هذه الدنيا، المصادفة لا تخلق شيئا متزنا محكما في غاية الإتقان والإحكام.

الله أوجد كل شيء

فإذا ثبت بطلان هذين الفرضين يثبت الفرض الثالث وهو أن لهذا الكون إلها خلقه ويدبر أمره فقال الله: (‌أَلَا ‌لَهُ ‌ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ).

دليل الخلق أو الإبداع

من الأدلة على وجود الله دليل يسمى بدليل الخلق أو الإبداع، وهذا الدليل مبني على أن كل الموجودات وكل حادث لابد له من محدث، فهي تثير فكر الإنسان ليتفكر في خالقه، ويستدل على وحدانيته وكمال قدرته.

فمن هذه الأدلة قول الله: (‌أَفَلَا ‌يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّر).

وقال الله: (وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰه وَٰحِد لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ

وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ).

دليل العناية

يسمى هذا الدليل بدليل التناسق أو النظام وخلاصته أن المصادفة لا تخلق شيئا، ولو خلقت شيئا لا يكون متناسقا متزنا، ولو وجد كذلك فلن تكون هناك يد العناية التي تقوم على أمره.

هكذا نظام الكون يدلنا على ذلك فهو نظام محكم متناسق ومع ذلك تحوطه يد العناية منذ أن خلق الله الخلق فقال الله:

(إِنَّ ٱللَّهَ ‌يُمۡسِكُ ‌ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا).

وقال الله: (‌تَبَارَكَ ‌ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَةٗ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا).

دليل الحدوث

وهذا من أدلة وجود الله فما من أحد منا إلا ويعرف له بداية وهي يوم ميلاده وكان قبل ذلك عدما لا وجود له قال الله:

(قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّن وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ ‌وَلَمۡ ‌تَكُ ‌شَيۡـٔٗا)،

وكذلك كل شيء في الكون له بداية يعرف بها، وله نهاية حتما، لكن الله هو الأول الذي لا بداية لوجوده، وهو الآخر الذي لا نهاية لوجوده.

قال الله: (‌هُوَ ‌ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ)

دليل الحركة

هذا الكون الذي خلقه الله في كل أرجائه كل ما فيه متحرك، فمن الذي يحركه ومن الذي يهيمن عليه في حركته وسكونه، في نظام بديع وإحكام شديد، ومن الذي يحفظ توازن هذا الكون بالرغم من حركته الدائبة، إنه هو الله.

قال الله: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده).

مواضيع ذات صلة