حرية الاعتقاد في الإسلام
الإسلام ليس بالدين الذي يكره الناس على الدخول فيه، وإنما هو دين يقبل التعددية ويعطي الناس حرية الاعتقاد والإيمان، فالقلب إذا لم يؤمن طواعية واختيارا فلا يمكن لأحد أن يكرهه على الإيمان.
دعوة الرسل لقومهم
أرسل الله رسله إلى أقوامهم من أجل أن يخرجوهم من تلك العبادات الفاسدة التي لا تنفعهم شيئا، ولا تجلب لهم خيرا، ولا تدفع عنهم ضرا.
فهؤلاء أناس قد انحطوا بأنفسهم عن عبادة الله إلى عبادة بشر مثلهم، أو عبادة أحجار لا تنفع ولا تضر، وهذا ما حدث من قوم نوح الذين عبدوا أصناما لا تنفع ولا تضر.
قال الله: (قَالَ نُوح رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا كُبَّارٗا
وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا).
وهذه الأسماء الخمسة إنما هي أسماء آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، والتي أصروا على عبادتها من دون الله.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد،
أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: كانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ،
وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح،
فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عبدت)[البخاري]
لم يقم نبي الله نوح بإجبارهم على ترك ما يعبدون وإنما حاورهم بالحسنى وأقنعهم بالدليل، فهذا نبي الله نوح يمكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده،
قال الله: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ).
لكنهم لما أصروا على التكذيب والعصيان وعدم إعمال تلك العقول التي وهبها الله لهم ليميزوا بها بين الحق والباطل أنزل الله بهم بأسه وعذابه، فقال الله: (فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ).
وقال الله: (وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ وَنَصَرۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٖ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ)
الإيمان طواعية واختيارا
الله لا يريد للعباد أن يؤمنوا إجبارا لأن الإجبار على الإيمان لا يصنع المؤمن الحق، وإنما الإيمان بالاختيار والاقتناع هو الذي يصنع المؤمن الحق الذي يضحي بنفسه من أجل دينه.
قال الله: (لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فالعقل لا يحتاج إلى إكراه على الإيمان لأن دلائل الحق كثيرة والباطل لا دليل عليه، فمن أراد الإيمان وجد من الأدلة ما لا حصر له، فلا ينبغي أن يحتاج العاقل للإكراه على الإيمان.
ويمكن أن يكون النفي في قول الله: (لا إكراه في الدين) إنما هو نهي للمسلمين عن إكراه أحد على الإيمان وهذا يتوافق مع قول الله:
(وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ)
الإكراه على الإيمان يصنع منافقين
الإكراه على الإسلام لا يصنع مؤمنين وإنما ينتج منافقين لأجل ذلك أمرنا الإسلام بالا نكره أحدا على الدخول فيه، فمن يخالفك مخالفة صريحة فتعرف عداوته لك وتضعه في موضعه اللائق به خير من الذي يدعي أنه منك لكنه في النهاية يطعنك من حيث لا تدري.
هؤلاء هم المنافقون الذين لم يدخلوا الإسلام حبا فيه وإنما دخلوه لأي غرض من أغراض الدنيا، إما لأخذ الغنائم أو صيانة أنفسهم.
من أجل ذلك نجد أن الله ذم طريقة المنافقين لأنهم لم يكونوا في صف المؤمنين ولا حتى في صف الكافرين، فذمهم الله لأنهم حتى لم يلتزموا صف الكافرين صراحة لأن طريقتهم أضر من طريقة الكافرين.
قال الله: (مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا).
وبين الله أنهم في الدرك الأسفل من جهنم فقال: (إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا)
مهمة النبي هي البلاغ
لقد بين الله تعالى مهمة نبيه بأنها مهمة البلاغ للناس، وإيصال هذا الحق إليهم بأوضح عبارة وأبلغ بيان، قال الله: (مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ).
فالبلاغ هو مهمة النبي -صلى الله عليه وسلم- والحساب على الأعمال هو حق الله قال الله: (فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ).
فالرسول لا يحاسب على عدم إيمان قومه وإنما يحاسبه الله على عدم البلاغ فإذا بلغ دعوة ربه يكون قد أدى ما عليه.
قال الله: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ)
التبشير والإنذار من مهام الرسول
من المهام التي أوكلها الله لأنبيائه ورسله أنهم يبشرون المؤمنين بالجنة ويحذرون الكافرين من النار.
قال الله: (رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا)
وذلك حتى يقطع الله على العباد حججهم فلا يكون لهم على الله حجة بأن يقولوا لو أرسلت إلينا رسولا لآمنا بك.
قال الله: (وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ).
الهداية بيد الله
ليس مطلوبا من النبي -صلى الله عليه وسلم- هداية قومه وإنما أمر الهداية بيد الله وحده لا بيد غيره فقال الله: (لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ).
وهذا لا يتعارض مع قول الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) فإن الهداية في الآية الأولى إنما يقصد بها هداية التمكين فهذه لا تكون إلا لله هو الذي يمكن الإيمان من القلب ويشرح قلب من يشاء للإيمان.
وأما الهداية في الآية الثانية فإنما هي هداية إرشاد وتوجيه، وتلك هي مهمة النبي -صلى الله وسلم- يرشد قومه ويدعوهم إلى الإيمان فمن آمن فقد نجا، ومن عصى فقد هلك.
شبهة الإكراه على الإسلام
ربما يجادل البعض ويدعون أن الإسلام يكره الناس على الدخول في الإسلام ويستدلون على ذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)[البخاري]
وللجواب على هذه الشبهة نقول: قول الله: (لا إكراه في الدين) ينفي صراحة أنه لا يكره أحد على الدخول في الإسلام.
وأما معنى الحديث هنا فإن المراد بلفظ الناس هم هؤلاء العرب من الوثنيين الذين قامت أماهم كل الحجج والبراهين على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-
وعاينوا تلك المعجزات وأقروا وأذعنوا بان هذا القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو من كلام الله.
فهم أخبر الناس بلغتهم ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه، وبالرغم من كل هذه الحجج والبراهين التي ظهرت أمامهم لم يتركوا طريقا واحدا يؤذون به رسول الله إلا سلكوه.
فهؤلاء هم الذين قال فيهم رسول الله وفي أمثالهم ممن يحاربون الإسلام بكل سبيل أنه أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.
أما غير المسلمين ممن لا يحاربوننا في ديننا فلا يجوز أن نبدأهم بحرب ولا عدوان فإن الله حرم علينا الاعتداء على غيرنا فقال الله: (وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ).
وما ذكرته أولا جاء واضحا في آيتين من كتاب الله الأولى تنهانا عن مقاتلة الذين لم يقاتلونا في الدين،
والثانية تأمرنا بقتال من يقاتلنا فإن الدفاع عن النفس حق مشروع للإنسان.
قال الله تعالى: (لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ
إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ)