لما كان فضل الآباء على أبنائهم عظيما، وكانت مكانتهم عند الله كبيرة، كان من الأمور التربوية التي يجب على الآباء أن يقوموا بها تجاه أبنائهم أن يعرفوهم بحقوق الآباء عليهم.
تربية الأطفال بالإحسان للوالدين
مما يجب على المربي أن يعلمه لطفله أن يبين له أن الله أمر بألا تكون العبادة إلا لله وحده، وأمر بعد ذلك بالإحسان للوالدين،
وذلك لأن الله إذا كان هو الموجد للإنسان وله عليه حق مطلق، فإن سبب وجوده في هذه الحياة هما والداه، وحقهما عليه يكون بعد حق الله.
قال الله: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ).
تعليم الأطفال وصية الله ببر الوالدين
من الأمور الواجبة في التربية، تربية الطفل على البر بوالديه؛ لأن ذلك مما أوصى الإسلام به أبناءه، حيث أمرهم بأن يقوموا بواجب البر تجاه آبائهم، فهم سبب وجودهم في هذه الدنيا بعد الله تعالى.
قال الله: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ).
لكن إن أمره والداه بمخالفة أمر الله بالشرك مثلا فلا طاعة لهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة)[الترمذي]
لكن يجب عليه مع ذلك أن يحسن صحبة والديه، وأن يحسن إليهما حتى ولو كانا مشركين.
قال الله: (وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡم فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).
وهنا يطيب لنا أن نذكر موقف سعد بن أبي وقاص مع أمه، فقد ذكر أنه نزلت فيه آيات من القرآن،
قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب! قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا!
قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد،
فأنزل الله -عز وجل- في القرآن هذه الآية: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) (وإن جاهداك على أن تشرك بي)، وفيها: (وصاحبهما في الدنيا معروفا). …[مسلم]
الإحسان للوالدين المشركين
تعليم الطفل أن بر الوالدين من الفرائض التي لا تسقط عن الإنسان حتى ولو كان والداه كافرين، فإن عليه واجب الإيمان بالله وعليه واجب البر لوالديه.
عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: (نعم، صلي أمك)[البخاري]
بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله
يجب على الآباء أن يعلموا أبنائهم ما جعله الله من المكانة العظيمة لبر الوالدين .
عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها).
قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله). قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني)[البخاري]
بر الوالدين مقدم على الجهاد
مما يبين لنا مكانة الوالدين في الإسلام أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أن القيام بواجب البر للوالدين إنما هو نوع من الجهاد في سبيل الله.
فالبر بالوالدين ليس بالأمر السهل فقد يكون الآباء لهم طباع تتطلب من الإنسان أن يجاهد نفسه حتى يقوم بواجب البر المفروض عليه.
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحي والداك). قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد)[البخاري]
فأمره رسول الله أن يبذل جهده في إرضاء والديه حتى يكتب له أجر الجهاد في سبيل الله.
الجنة عند أقدام الأمهات
ينبغي علينا أن نعلم أطفالنا أن الإسلام أعلى مكانة الأم وجعل الجنة عند موضع قدميها، فمن أراد الجنة فعليه أن يقوم بواجب البر تجاه أمه.
عن معاوية بن جاهمة، أن جاهمة جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أردت الغزو وجئتك أستشيرك.
فقال: (هل لك من أم؟) قال: نعم. فقال: (الزمها فإن الجنة عند رجلها)[أحمد]
الأم لها ثلاثة أرباع البر
مما ينبغي على الطفل معرفته أن يعرف أن الأم لها من البر ثلاثة أرباع البر، وذلك لأنها تتحمل النصيب الأكبر من التعب في وجود هذا الطفل، فهي التي حملته في بطنها تسعة أشهر وهي التي سهرت على تربيته والقيام بشئونه.
عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحق بحسن الصحبة؟ قال (أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)[مسلم]
قال الإمام المناوي: (قدمها في البر والتكرير للتأكيد أو لإفادة أن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما كابدته من مشاق الحمل والرضاع)[التيسير بشرح الجامع الصغير]
عقاب عقوق الوالدين
العقوق للوالدين من أعظم الذنوب التي يرتكبها الإنسان بل هو من كبائر الذنوب، فعن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)[البخاري]
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر). ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله،
قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين – وجلس وكان متكئا، فقال – ألا وقول الزور). قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت.[البخاري]
فوائد بر الوالدين
بر الوالدين من أفضل القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وينال بها رضاه، فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة)[مسلم]
ومن فوائد بر الوالدين تفريج الكروب كما ورد في حديث أصحاب الغار الذين أغلق الغار عليهم فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله فكان منهم من توسل ببره لوالديه إلى الله فانزاح الحجر وخرجوا من الغار.
للاطلاع على المزيد: