كيف ذم الإسلام الفقر ومدح الغنى؟
الفقر من أشد الأشياء التي يتعرض لها الإنسان في هذه الدنيا؛ لأنه يفقد الإنسان كرامته، ولا يستطيع أن يحقق شيئا نافعا؛ لأنه لا يستطيع أن يحقق لنفسه ضروريات الحياة.
النبي يستعيذ من الفقر
من أشد الأشياء التي تؤلم الإنسان الفقر الذي يلازمه، فيكون كالقيد له، لا يستطيع أن ينطلق ولا أن يحقق أهدافه في هذه الدنيا، وبسبب هذ الفقر المدقع تضيع على الإنسان دنياه.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة)[ابن ماجه]
فهذا الجوع يؤلم الجسد ويمنع الإنسان من القيام بواجب العبادات التي فرضها الله عليه، ويشوش عليه عقله بالأفكار الفاسدة، من أجل ذلك استعاذ رسول الله منه.
والخيانة تؤلم الروح وتضيع على الإنسان أمر أخراه لذلك استعاذ رسول الله منها أيضا.
الفقر قرين الكفر
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الفقر والكفر معا، ويقرن بينهما؛ لأن الفقر يكون به ضياع الدنيا، والكفر يكون به ضياع الآخرة.
عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لأبيه: يا أبت، إني أسمعك تدعو كل غداة: (اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت) ، تعيدها ثلاثا حين تمسي، وحين تصبح ثلاثا.
وتقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت) ، تعيدها ثلاثا حين تمسي، وحين تصبح ثلاثا.
فقال: نعم، يا بني، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بهن، وأنا أحب أن أستن بسنته.[الأدب المفرد]
الحث على الصدقة
حث الإسلام على العمل المباح الذي يجلب لصاحبه المال الذي يستغني به عن الآخرين فيحقق لنفسه الكفاية عن الناس ولا يكون عالة على الآخرين، فاليد التي تعطي في ميزان الإسلام أفضل من اليد التي تأخذ.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف والمسألة: (اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة)[البخاري]
مدح الله المنفقين من أموالهم
من التشريعات التي وضعها الله للعباد والتي يكون بها تحقيق الدعم الاقتصادي للناس، فريضة الزكاة، حيث فرض على الأغنياء فريضة تؤخذ من أمولهم وتعطى للفقراء.
ومدح الله هؤلاء الذين لا ينسون هذا الحق الذي أوجبه الله عليهم في أموالهم، وهذا التشريع ينمي روح الأخوة بين الناس ويدعم روابط الأخوة والتآلف بين أبناء المجتمع الواحد.
فقال الله: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقٌّ للسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ).
وقال الله: (إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّ مَّعۡلُوم لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ)
الوعيد لمن يمنعون حق المال
توعد الله هؤلاء الأغنياء الذي لا يخرجون الحق الواجب عليهم من أموالهم وسمى هذا المال كنزا، وعاملهم بنقيض قصدهم حيث منعوا المال ليحققوا الأمان به في الدنيا فكان سببا في عذابهم.
قال الله: (وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ).
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان قال: يلزمه، أو يطوقه قال: يقول له: أنا كنزك أنا كنزك)[أحمد]
التفاضل بين الناس
ليس المقصود من ذم الفقر ومدح الغنى أن يكون كل الناس أغنياء وإنما الفقر المذموم هو الذي يعجز الإنسان معه عن تحقيق ضروريات الحياة فيكون كالعاجز الذي لا يستطيع أن ينهض بأمر بنفسه.
لكن حكمة الله أن يكون هناك تفاضل بين الناس هذا هو الذي يجعل الحياة تستمر، ويكون هناك من يأمر وهناك من يتلقى الأمر، لكن لو كان كل الناس على درجة واحدة فلن ينصاع أحد لأمر أحد، ولن يقبل أحد أن يكون غيره فوقه.
قال الله: (وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا)
فلا يزال الناس بخير إذا كان فيهم أهل صلاح يرجع الناس إليهم يتبركون بدعائهم وأهل علم يسترشد الناس بآرائهم وأهل جاه يلجأ الناس إليهم في الشدائد.
يسأل الإنسان عن عمره وماله
من الأشياء التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة أمام الله العمر الذي قضاه في الدنيا هل ضيعه وأهدره دون أن يستثمره فيما ينفع.
ويسأل عن المال الذي اكتسبه هل أدى الحق الواجب عليه فيه، وما هي المصادر التي حصل منها على هذا المال، هل هي مصادر أباحها الله أم هي مما حرمه الله على الإنسان.
عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)[الترمذي]