ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عددا من الأمور المنهي عنها في البيع والشراء منها تلقي الركبان، والبيع على بيع بعض، والنجش وبيع الحاضر للبادي، وتصرية البهائم.
حديث لا يبع بعضكم على بيع بعض
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يتلقى الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد.
ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها، وصاعا من تمر)[مسلم]
النهي عن تلقي الركبان
قال النبي: (لا يتلقى الركبان لبيع)
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن استقبال جماعة الركب وهم أصحاب الإبل الذين يجلبون التجارات كالحبوب وغيرها للسوق، قبل بلوغ السوق،
سواء كانوا ركبان أو مشاة أو فرادى أو جماعات، لكن ورد التعبير عنهم بالركبان بحسب الغالب.
وصورة ذلك أن يستقبل صاحب البلدة التاجر قبل دخوله البلدة، وخداعه بأن سلعته كاسدة كذبا من أجل أن يأخذها بالوكس، فهذا من المحظورات في البيع.
وهذا النهي فيه نفع للبائع، ونفع لعامة الناس ممن يأتون للسوق من أجل الشراء.
البيع على بيع الآخر
قال النبي: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض)
من صور هذا البيع أن يتراضى المتبايعان على ثمن سلعة فيجيء آخر ويقول: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بثمن أقل من الذي اشتريت به، فيفسخ بيعه الأول من أجل البيع الثاني.
وذهب الشافعية إلى أن هذا البيع محرم لكنه لا يبطل البيع بل هو صحيح لرجوع النهي إلى معنى عن ذات البيع وعن لازمه.
النهي عن النجش
قال النبي: (ولا تناجشوا)
النجش في اللغة معناه الاستثارة والإثارة، وقال ابن قتيبة: أصل النجش الختل، وهو الخداع.
وشرعا : أن يزيد في سلعة أكثر من ثمنها وليس قصده أن يشتريها بل ليخدع غيره فيوقعه في الشراء بثمن مرتفع.
وقد يكون النجش في النكاح وغيره، والفاعل يسمى ناجش، وقد يكون ذلك من غير اتفاق مع البائع فيختص الناجش بالإثم، وقد يكون باتفاق مع البائع فيشتركان في الإثم.
وذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة هذا البيع، ويرى جمهور الفقهاء أن بيع النجش صحيح؛ لأن النجش هو فعل الناجش وليس فعل البائع فلم يؤثر في البيع.
قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله، واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك،
ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر، ورواية عن مالك،
والمشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية، قياسًا على المصراة، والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية.فتح المنعم
بيع الحاضر للبادي
قال النبي: (ولا يبع حاضر لباد)
لا يبيع ساكن الحضر أي المدن أو القرى لبادي وهو ساكن البادية.
والمراد أن يقدم غريب من البادية، أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه، ليبيعه بسعر يومه، فيقول له البلدي: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى.
وفسره ابن عباس في الرواية الثالثة عشرة بالبيع بالأجرة كالسمسار.فتح المنعم
وعلة النهي عن مثل هذا البيع هو ما يؤدي إليه هذا البيع من الإضرار بأهل البلد والتضييق عليهم.
قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْل الْعِلْمِ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي إِنَّمَا هُوَ لِنَفْعِ الْحَاضِرَةِ، لأَنَّهُ مَتَى تَرَكَ الْبَدْوِيُّ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ، اشْتَرَاهَا النَّاسُ بِرُخْصٍ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمُ السِّعْرَ،
فَإِذَا تَوَلَّى الْحَاضِرُ بَيْعَهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا إِلَاّ بِسِعْرِ الْبَلَدِ، ضَاقَ عَلَى أَهْل الْبَلَدِ، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَعْلِيلِهِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى .
وذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة هذا البيع لكنه بيع صحيح.
تصرية الناقة
قال النبي: (ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها، وصاعا من تمر)
معنى تصرية الناقة أو الشاة هو أن يترك حلبها أياما حتى يجتمع في ضرعها الكثير من اللبن فينخدع بها المشتري ويظن أن هذا اللبن الكثير هو من عادتها فيزيد في ثمنها.
فالمشتري إن وجد ذلك فهو بالخيار بين أن يبقيها عنده أو يردها، ومعها صاع من تمر أو صاع من غالب قوت البلد؛ ليكون كنوع من العوض عن اللبن الذي أخذه منها.
والتصرية حرام باتفاق الفقهاء إذا قصد البائع إيهام المشتري كثرة اللبن فهذا نوع من الغش وقد نهى رسول الله عن الغش فقال: (من غشنا فليس منا).
وتصرية الحيوان من العيوب التي تثبت للمشتري الخيار بين أن يتم البيع أو يرد الناقة لصاحبها.
وأما تلقي الركبان فيقول النووي: “في هذه الأحاديث تحريم تلقي الجلب، وهو مذهب الشافعي ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة والأوزاعي: يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس، فإن أضر كره، والصحيح الأول، للنهي الصريح”.
للاطلاع على المزيد: