وجوب العمل بالسنة النبوية للخروج من الفتن
أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه والأمة من بعدهم بالعمل بالسنة للخروج من الفتن، وتقوى الله، والسمع والطاعة لولاة الأمر.
حديث العرباض بن سارية
عن العرباض بن سارية قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل يا رسول الله: وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا بعهد، فقال:
(عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، وسترون من بعدي اختلافا شديدا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة)[ابن ماجه]
موعظة رسول الله
وعظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه يوما موعظة أثرت في قلوبهم حتى خافت قلوب الحاضرين، وذرفت العيون الدموع؛
وذلك لأن الموعظة كانت تخويف ووعيد، فقالوا: يا رسول الله كأنك تودعنا بتلك الموعظة البليغة فبماذا توصينا.
الوصية بتقوى الله
قال رسول الله: (عليكم بتقوى الله).
عليكم بالخوف من الله واحذروا معصيته، فاجعلوا بينكم وبين النار وقاية بتحري فعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.
وقد أمر الله عباده السابقين منهم والمتأخرين بتقوى الله فقال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).
ومن ثمرات هذه التقوى أنها تكون سببا في حب الله لعبده، قال الله: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
وتقوى الله تجلب رحمة الله للإنسان فقال الله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وتجلب التقوى للعبد معية الله له قال الله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
والتقوى لها أقسام ثلاثة: تقوى الشرك، وتقوى المعصية، وتقوى ما سوى الله.
وتقوى الله هي الزاد الذي ينجي صاحبه من عذاب الآخرة.
السمع والطاعة لولاة الأمر
قال رسول الله: (والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا)
والمعنى: وجوب طاعة ولي الأمر أو من ولاه الإمام، وولي الأمر لا يتم تقييمه على الظاهر من حاله، فلو كان عبدا حبشيا فإن طاعته تكون واجبة عليكم، فقد أمر الله بطاعة أولى الأمر فقال:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
وهنا نلمح في الآية ملمحا دقيقا وهو أن الله ذكر لفظ الطاعة مع الله، ولفظ الطاعة مع الرسول، ولم يذكر طاعة مع أولي الأمر،
وهذا معناه أن الله تجب له طاعة مستقلة؛ لأن الله هو الذي يشرع لنا الأحكام.
وتجب طاعة مستقلة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه يضع أحكاما زائدة على القرآن لأن الله أوكل إليه مهمة البيان فقال الله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
وأما أولوا الأمر فطاعتهم مندرجة تحت طاعة الله ورسوله، فإن أطاعوا الله ورسوله فطاعتهم واجبة.
الاختلاف والفتن بعد موت النبي
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وسترون من بعدي اختلافا شديدا)
هذا من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر عن الأمور المستقبلية التي ستقع بعد موته من الاختلاف وقد وقع هذا.
فقد ادعى كثير من أهل البدع والأهواء عقائد مخالفة لعقائد أهل السنة، والاختلاف على الملك والقتال الذي حدث بين المسلمين.
وجوب اتباع سنة النبي والخلفاء من بعده
قال النبي: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)
فالزموا سنتي وهي الطريقة القويمة، وسنة الخلفاء الراشدين وهم أربعة بالإجماع: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
وهذا فيه أن قول الخليفة من الصحابة إذا قال قولا يخالف رأي أحد آخر من الصحابة فالأولى الأخذ برأي الخليفة.
وقيل: المراد بالخلفاء هم من ساروا من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام على هدي النبي، فإنهم خلفاء رسول الله في إحياء الحق وإرشاد الخلق.
ومعنى: عضوا عليها بالنواجذ. جمع ناب وهو كناية عن المبالغة في التمسك بتلك الوصية.
النهي عن اتباع البدع
قال النبي: (وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة)
ومحدثات الأمور والمبتدعات هي الأمور التي أحدثت على غير أصل من أصول الدين، وعلى غير قياسه.
وأما ما كان من تلك المحدثات مبنيا على أصول الدين وقواعده فليس من البدع المذمومة، قال الإمام الخطابي: “ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة”.
فلفظة المحدث والبدعة لا تذمان لذاتهما وإنما تذمان لمخالفتهما السنة فإذا كانتا لا تخالفان السنة فلا تذمان.
قال الله: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون)،
وقال عمر بن الخطاب: (نعمت البدعة هي). يعني جمع الناس على إمام واحد في التراويح.
وقال الشافعي: البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم.
وقال ابن حجر: قال بن عبد السلام في أواخر القواعد البدعة خمسة أقسام:
فالواجبة: كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى إلا بذلك فيكون من مقدمة الواجب،وكذا شرح الغريب وتدوين أصول الفقه والتوصل إلى تمييز الصحيح والسقيم.
والمحرمة: ما رتَّبه من خالف السنة من القدرية والمرجئة والمشبهة.
والمندوبة: كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع عن التراويح وبناء المدارس والربط والكلام في التصوف المحمود وعقد مجالس المناظرة إن أريد بذلك وجه الله.
والمباحة: كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن وقد يكون بعض ذلك مكروها أو خلاف الأولى والله أعلم.