عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)[مسلم]
النواس بن سمعان
هو النواس بن سمعان الكلابي ويقال: الأنصاري له صحبة، وفد أبوه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فزوجه بأخته وهي الكلابية التي تعوذت من النبي -صلى الله عليه وسلم- فتركها.
معنى البر والإثم
البر هو ما يصير به صاحبه من الأبرار وهم المطيعون لله تعالى.
والإثم ما يأثم به فاعله ويكون من الآثمين، وهو ما أثر قبحه في قلبك ولم ترد إظهاره، وهو أيضا ما يجعل الإنسان ينفر من صاحب الإثم ويورث حزازة في القلب.
وورد تفسير البر والإثم في حديث الخشني حيث قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي، ويحرم علي، قال:
فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصوب في النظر، فقال: (البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه)[أحمد]
وقد يراد بالبر فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة كما في قول الله:
(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ
وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)
اقتران البر بالتقوى
إذا اقترن البر بالتقوى أفاد ذلك أن البر معناه معاملة الخق بالإحسان، والتقوى معاملة الحق بفعل طاعته واجتناب محارمه، أو قد يكون المراد بالبر فعل الواجبات، وبالتقوى ترك المحرمات، قال الله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)
اقتران الإثم بالعداون
إذا اقترن الإثم بالعدوان كان المراد بالإثم المعاصي، والعدوان ظلم الخلق.
وقد يراد بالإثم ما محرم في نفسه كالزنا، والعدوان تجاوز ما أذن فيه إلى ما نهي عنه كقتل ما أبيح قتله لقصاص ومن لا يباح، كما في قول الله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
التحذير من زيغة الحكيم
قال معاذ بن جبل يوما: (إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل، والمرأة، والصغير، والكبير، والعبد، والحر، فيوشك قائل أن يقول:
ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة،
وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق)
قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟
قال: (بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه، ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا)[أبو داود]
البر حسن الخلق
حسن الخلق من أعظم خصال البر وهذا كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحج عرفة) أي أنه أعظم أركان الحج.
ومن حسن الخلق أن يكون المرء منصفا في معاملته، فالإنصاف في المعاملة من القيم المفقودة والعملات النادرة في حياة الناس اليوم.
ومن الإنصاف أن ينصف الإنسان مع النفس ومع الغير ومع المسلم ومع غير المسلم.
ومن حسن الخلق أن يكون الإنسان رفيقا مع الناس في مجادلته لهم، ورفيقا في محاورتهم، وقد أمر الله بحسن المحاورة فقال:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين).
ومن حسن الخلق أيضا العدل في الحكم على الناس، بأن نعطي كل ذي حق حقه، دون بخس ولا ظلم ودون إفراط ولا تفريط، وهذا ما حثنا عليه القرآن الكريم حيث قال:
(قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)
وألا يحملنا البغض لقوم على عدم العدل فيهم حيث قال الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
ومن حسن الخلق حسن الصحبة وهي من الأمور التي يحمد الإنسان عليها، فالصاحب يتأثر بصاحبه.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير،
فحامل المسك إما أن يحذيك ،وإما أن تبتاع منه ،وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة).
فالجليس الصالح يأمر صاحبه بالخير وينهاه عن الشر، ويسمعك العلم النافع والقول الصادق.
ومن حسن الصحبة مداراة الناس وتحمل أذاهم فرأس العقل مداراة الناس، أي ملاينتهم وحسن صحبتهم واحتمال أذاهم، فمن صحت مودته احتملت جفوته.
ومن الخلق الحسن احتمال الأذى، فعن أنس بن مالك قال: (كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية،
فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال:
يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك ثم أمر له بعطاء)[البخاري]