نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سوء الظن بالآخرين، وعن التجسس لمعرفة معايبهم، ونهى عن التحاسد والخداع في البيع وغيره، وأمر بأن يتعامل الناس كالإخوة في البيت الواحد.
حديث إياكم والظن
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)[البخاري]
سوء الظن
(إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)
حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من سوء الظن وتحقيقه؛ لأنه يكون من حديث النفس وهو مما يلقيه الشيطان في نفس الإنسان، وهذا الظن يترتب عليه اتهام الآخر بتهم لا سبب لها.
وليس المقصود بالظن هنا هو ما يبنيه الإنسان على الأصول بأن تكون هناك مقدمات يترتب عليها هذا الأمر فلا مانع من الاحتياط ومنع نزول المكروه.
والظن المحرم هو ما يصر صاحبه عليه، ويستمر في قلبه، وليس ما يعرض للقلب ولا يستقر؛ لأن هذا لا يعاقب الإنسان عليه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به)[أحمد]
ونَهْي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سوء الظن موافق لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم).
والآية هنا أمرت باجتناب كثير من الظن المحرم والذي منه انتهاك أعراض المسلمين بظن السوء فيهم.
التجسس والتحسس
(ولا تحسسوا، ولا تجسسوا)
هناك فرق بين التجسس والتحسس، فالتجسس يكون بالبحث عن عيوب الناس وتتبع أخبارهم، وأما التحسس فهو طلب الخبر كما في قول الله: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) وقيل: التجسس والتحسس بمعنى واحد.
والتجسس محرم، فإن الله لما نهى عن سوء الظن ربما قال بعضهم: أنا لا أظن وإنما أتجسس لأتكلم عن علم وحقيقة، فنهى رسول الله عن التجسس، ونهى الله عنه بعدما نهى عن الظن فقال: (ولا تجسسوا)
وقد يقول قائل: أنا لا أتجسس وإنما ظهر لي هذا الأمر دون سعي مني فأنا أتكلم به، فنهى الله عن الغيبة واستباحة عرض المسلم لأخيه المسلم فقال الله: (ولا يغتب بعضكم بعضا).
النجش
(ولا تناجشوا)
وهذا نهى عن أمر من الأمور التي تقع أثناء التبايع بين الناس، ومنها التناجش ومعناه: أن يتفق شخص مع البائع أن يزيد في ثمن السلعة لا يريد شراءها ولكن من أجل أن يخدع شخصا آخر.
واتفق الفقهاء على حرمة النجش لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر)[البخاري]
الحسد
(ولا تحاسدوا)
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحسد، ومعناه: هو تمني زوال النعمة عن الغير،
لكن هناك نوع من الحسد يكون محمودا ويسمى بالغبطة ومعناها: أن يتمنى الإنسان من الخير مثل ما لغيره دون أن يتمنى زوال النعمة عنه.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)[البخاري]
أسباب الحسد
الحسد له أسباب عديدة ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء أذكرها باختصار:
1 – العداوة والبغضاء.
2 – التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره.
3 – الكبر.
4 – التعجب من أن ينال هذه المرتبة أحد غيره.
5 – الخوف من فوت المقاصد وذلك إذا كان يتزاحم هو وآخر على أمر واحد.
6 – حب الرئاسة وطلب الجاه.
7 – خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله.
وهذا الحسد محرم لأنه اعتراض على الله ومعاندة له، ودليل ذلك من القرآن قول الله: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) فقد أمر الله بالاستعاذة من شر هذا الحاسد.
التباغض والتدابر
(ولا تباغضوا، ولا تدابروا)
تجنبوا الأسباب التي تؤدي للبغض فالحب والبغض من الأمور القلبية التي ربما لا يسيطر الإنسان عليها.
والناس إذا تباغضوا تدابروا والتدابر معناه أن كل واحد من المتقاطعين إذا قطع كل واحد صاحبه أدار كل واحد منهما ظهره لصاحبه وولاه دبره.
وقال أبو العباس القرطبي (لا تدابروا) أي لا تفعلوا فعل المتباغضين الذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر أي يوليه دبره فعل المعرض.
الأخوة بين المؤمنين
(وكونوا عباد الله إخوانا)
لابد وأن يكون التعامل بينكم كتعامل الإخوة الذين خرجوا من بطن واحدة ودرجوا في بيت واحد، فأنتم جميعا من أصل واحد وهو آدم -عليه السلام-
قال الله: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
فأنتم جميعا عباد لله وملتكم واحدة فالأصل أن تكونوا متواصلين لا متنازعين فإن الله قال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).