لا يخلوا أي مجتمع من المجتمعات من وجود الكثير من المبتلين بينهم، وحقهم على المجتمع أن يعتني بهم وأن يمد يد العون لهم، وأن يكون مبشرا ومعينا لهم على بلواهم.
التواضع مع الضعفاء
ربما يكون الضعفاء أشد إخلاصا في عبادتهم وأكثر خشوعا، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخارف الدنيا.
لذلك ينبغي على المسلم ألا يتعالى على إخوانه من الضعفاء فربما يكونون أقرب إلى الله وربما يأتي النصر بهم.
عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد -رضي الله عنه- أن له فضلا على من دونه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)البخاري
وهذا الحديث فيه من الفقه أن الإنسان إذا رأى غيره يتفاخر بنفسه على من دونه أن يبين له فضل هؤلاء حتى لا يحتقرهم بعد ذلك.
فقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك مع سعد لما رآه يزهو بنفسه على هؤلاء الضعفاء بين له فضيلتهم، فربما يكون عندهم من الفضل ما ليس عند أهل القوة من دعائهم وصلاتهم وصيامهم.
الاتعاظ بحال أهل البلاء
ينبغي على المسلم إذا رأى أحدا من الناس ابتلاه الله في دينه أو في بدنه أن يحمد الله على نعمة المعافاة مما ابتلى به غيره من الناس.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى مبتلى، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء)الترمذي
قال العلماء: ينبغي أن يقول هذا الذكر سرا بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلى إلا أن تكون بليته معصية فيسمعه إن لم يخف مفسدة.
الصبر على البلاء
لو علم أهل البلاء في الدنيا ما جعله الله لهم من الأجر في الآخرة على صبرهم على البلاء لتمنوا الزيادة منه.
ولو علم أهل العافية ما ادخره الله لأهل البلاء في الآخرة من الأجر العظيم والثواب الجزيل على صبرهم على البلاء واحتسابهم لحسد أهل العافية أهل البلاء، ولتمنوا أنهم كانوا في الدنيا من أصحاب البلاء.
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض)الترمذي
رقية المريض
كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يدعوا للمرضى ويطلب لهم من الله الشفاء من أوجاعهم وأمراضهم.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتى مريضا أو أتي به قال: (أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما)البخاري
قال أبو عمر بن عبد البر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم في جواز الاسترقاء من العين والحمة وقد ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والآثار في الرقي أكثر من أن تحصى.
وقال جماعة من أهل العلم: الرقي جائز من كل وجع ومن كل ألم ومن العين وغير العين.
الدعاء لأصحاب المرض
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال:
(إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك). فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها)البخاري
الصرع له حالان: أن تكون علة تصيب الجهاز العصبي تصحبها غيبوبة في العضلات، وقد يكون هذا بسبب احتباس الريح في منافذ الدماغ، وقد يكون لك بإيذاء من كفرة الجن.
والمرأة تشتكي للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنها عندما تأتيها نوبة الصرع ربما انكشفت عورتها، فخيرها رسول الله بين أن تصبر على هذا الابتلاء ولها الجنة، أو أن يدعوا لله لها بالمعافاة، فاختارت الجنة لكنها طلبت ألا تنكشف عورتها فدعا لها.
معاملة الناس على قدر عقولهم
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد التواضع واسع الحلم، يصبر على قضاء حوائج الناس كبيرهم وصغيرهم.
فعن أنس -رضي الله عنه- أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة فقال: يا أم فلان، انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها)مسلم
وهذا الحديث يفيد أن الكلام مع المرأة الأجنبية لا يقدح في دين المرء إذا أمن الفتنة.
تسلية أهل المصائب
كثرة الثواب تكون بسبب كثرة البلاء والصبر عليه، لأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن احتسب وصبر على البلاء حصل على رحمة الله، ومن أصابه الجزع ولم يرض بحكم الله سخط الله عليه.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)