الزهد في الدنيا والزهد فيما في أيدي الناس

بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن جاء يسأله عن عمل إذا عمله أحبه الله وأحبه الناس، أن من زهد في الدنيا أحبه الله، ومن زهد عما في أيدي الناس أحبه الناس لأنه لا يزاحمهم في دنياهم.

حديث ازهد في الدنيا

عن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل، فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌ازهد ‌في ‌الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)[ابن ماجه]

حرص الصحابة على تعلم الخير

جاء رجل يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه عملا إذا عمله أحبه الله بسببه، وأحبه الناس.

وهذا كان دأب الصحابة دائما يسألونه عما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، فلم يسألوه دنيا ولا مالا ولا ولاية وإنما سألوه ما يقربهم من الجنة ويباعدهم عن النار.

الزهد في الدنيا

(‌ازهد ‌في ‌الدنيا يحبك الله)

حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التقلل من الدنيا والزهد فيها وقال : (‌كن ‌في ‌الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)[البخاري]

فالإنسان في الدنيا إنما هو ضيف وما في يده عارية مستردة والضيف لابد مرتحل والعارية لابد وان ترد لصاحبها.

وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن يتقلل من الدنيا بأنه سينال محبة الله، وحب الله للعبد معناه رضاه عنه.

وقد كثرت الإشارات في القرآن إلى الزهد في الدنيا وذم الرغبة فيها فقال الله: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).

وقد قال الله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

وهذ الآية كان سبب نزولها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استشار أصحابه في شأن أسارى غزوة بدر أيقتلهم أم يقبل منهم الفداء.

فكان رأي أبي بكر أن نقبل الفداء، وكان رأي عمر أن يقتلوا فقد آذوا رسول الله ومن معه وأخرجوه،

فنزلت الآية وفيها عتاب لمن قبل الفداء؛ لأن هؤلاء المشركين ليسوا أهلا لتلك المنة التي من بها رسول الله عليهم، فقال الله لهم: تريدون عرض الدنيا بأخذ الفداء، والله يرضى لكم الآخرة .

نصيحة قوم قارون

وأخبر الله عن قارون الذي أعطاه الله من كنوز الدنيا ما إن مفاتح تلك الخزائن يعجز عن حملها الرجال ذوو القوة.

فكان الناس أمام ما أعطاه الله لقارون من النعم على فريقين: فريق يتمنى أن يكون له مثل ما لقارون من الدنيا، وفريق يرى أن ما عند الله من الثواب خير مما في الدنيا فقال الله:

(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)

نصيحة مؤمن آل فرعون

ومؤمن آل فرعون الذي نصح قومه وبين لهم أن ما في هذه الدنيا من المتع والزينة مهما عظم فهو قليل بجانب رحمة الله في الآخرة فقال الله:

(يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)

الأعمال المذمومة

كل عمل يعمله الإنسان لا يبتغي به وجه الله وإنما يريد به الدنيا فهو مذموم؛ لأن الإنسان إنما يجازى على عمله والنية المصاحبة لهذا العمل.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما ‌الأعمال ‌بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما جاهر إليه)[البخاري]

ذم الدنيا

ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث التي يذم فيها الدنيا ويبين هوانها على الله.

عن ‌جابر بن عبد الله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بالسوق داخلا من بعض العالية والناس كنفيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟

فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت! فقال: فوالله، ‌للدنيا ‌أهون ‌على ‌الله من هذا عليكم)[مسلم]

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لو ‌كانت ‌الدنيا ‌تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء)[الترمذي]

معنى الزهد في الدنيا

الزهد في الدنيا ليس معناه أن يكون الإنسان لا مال له ينتظر الإحسان من غيره، إنما المراد ألا تملأ الدنيا قلب المسلم بحيث لا يكون فيه مكان للآخرة لأن الدنيا وسيلة للآخرة.

عن يونس بن ميسرة قال: ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء.

وقال أبو سليمان: لا تشهد لأحد بالزهد، فإن الزهد في القلب.

وقال: الزهد ترك ما يشغل عن الله. وقال: كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد، فهو مشئوم.

الزهد فيما في أيدي الناس

(وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)

وأرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- السائل إلى الزهد فيما في أيدي الناس إن أراد محبة الناس فليس في أيدي الناس شيء يتباغضون عليه إلا الدنيا.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌من ‌كانت ‌الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)[ابن ماجه]

فقد حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كثير من الأحاديث على الاستعفاف عن سؤال الناس والاستغناء عنه لأن المال محبب للنفوس فمن سأل الناس ما يحبونه كرهوه.

Exit mobile version