أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن فعل الواجبات التي أوجبها الله علينا، واعتقاد حل الحلال وفعله، واعتقاد حرمة الحرام واجتنابه كل ذلك من الأسباب المقتضية لدخول الجنة.
أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات
عن جابر أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئا)[مسلم]
الصلوات المكتوبات
(إذا صليت الصلوات المكتوبات)
جاء السائل يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء إذا فعلها هل تضمن له الجنة، فسأله أولا عن الصلوات المكتوبات وهي الصلوات الخمس التي فرضها الله علينا في اليوم والليلة.
والصلوات من العبادات البدنية التي يطلب فيها من المسلم الفعل أن يقوم بفعل حركات وسكنات مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية، وهي عبادة يومية.
قال الله عن فريضة الصلاة: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)
وهذه الصلوات جعل الله لها مواقيت محددة تؤدى فيها قال الله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)
صيام رمضان
ثم سأل السائل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصيام الذي فرضه الله على العباد، وهو عبادة سنوية.
والصيام عبادة بدنية يطلب من المسلم فيها الكف، فيكف عن الطعام والشراب والجماع حتى يتم صيامه، قال الله عن تلك الفريضة:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
أحللت الحلال وحرمت الحرام
تحليل الحلال معناه أن يعتقد الإنسان ويؤمن بحل ما أحله الله، ويعتقد ويؤمن بحرمة الحرام مع اجتناب العمل به.
وقيل: يراد بتحليل الحلال وتحريم الحرام فعل الحلال واجتناب الحرام، قال الله تعالى:
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يَحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)
فقد كان هؤلاء المشركون يزيدون خمسة عشر يوما على العام حتى يغيروا الشهور عن مواضعها فيحلوا الشهر الحرام ليقاتلوا فيه ويحرموا الحلال.
وأمر الحلال والحرام ليس من حق أحد من الناس، وإنما هو حق الله وحده، فمن أعطى لنفسه الحق في ذلك يكون قد نازع الله في ملكه، وقد بين الله أن الذين يفعلون ذلك لا يفلحون.
قال الله: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ).
وقد نهى الله عباده المؤمنين عن تحريم ما أحله الله، لأن هذا نوع من التعدي وتجاوز حدود الله، قال الله:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
فعل الواجبات
(أأدخل الجنة؟ قال: نعم، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئا)
دل هذا الحديث على أن فعل الواجبات وترك المحرمات من موجبات الجنة، وقد ورد الكثير من الأحاديث التي تؤكد هذا الأمر.
عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال: ماله ماله.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أرب ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)[البخاري]
وعن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابيا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال:
(الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا). فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام، فقال: (شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا).
فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة، فقال: فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرائع الإسلام،
قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أفلح إن صدق، أو: دخل الجنة إن صدق)[البخاري]
فأداء الواجبات وتحليل الحلال باعتقاد حله والعمل به، وتحريم الحرام باعتقاد حرمته وتركه كل هذا من الأسباب الموجبة لدخول الجنة.
ترك المحرمات
لكن فعل المحرمات قد يكون من موانع دخول الجنة، لأن الكبائر من الأمور التي تمنع دخول الجنة فهي الأمور المهلكة لصاحبها.
فقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)[البخاري]
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تفيد أن فعل المحرمات يمنع صاحبه من دخول الجنة كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحمه.
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر).