إن الصبر على البلاء جعل الله ثوابه الجنة، ونعمة البصر من أجل النعم التي أنعم الله بها على الإنسان في الدنيا، فإذا صبر على فقد هذه النعمة عوضه الله عنها في الآخرة بما هو أفضل منها وهو الجنة.
بشارة المكفوفين
قد يبتلي الله تعالى عبده بفقد نعمة البصر التي هي من أجل النعم ليس من أجل سخط الله عليه، وإنما من أجل أن الله يريد الإحسان إليه، إما بدفع مكروه كان سببه النظر، أو ليكفر الله عنه خطاياه.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة). يريد: عينيه.[البخاري]
إسناد المهام للمكفوفين
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكلف هؤلاء المكفوفين بالمهام الكبيرة ليقوموا بها، والتي تتناسب مع قدراتهم.
فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلف ابن أم مكتوم بالأذان، وإمامة الناس في الصلاة إذا خرج للغزو.
فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى)أبو داود
وعن أنس -رضي الله عنه- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين)أبو داود
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم).
ثم قال: وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت.[البخاري]
إمامة الأعمى للناس في الصلاة
تقدم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستخلف ابن أم مكتوم ليصلي بالناس إذا خرج للغزو.
وليس ابن أم مكتوم وحده الذي كان يؤم الناس في الصلاة، وإنما كان عتبان بن مالك يؤم قومه في الصلاة في مسجد قومه وكان رجلا ضريرا.
عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك، وهو من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن شهد بدرا من الأنصار: أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصري، وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار، سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله، أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فأتخذه مصلى…)[البخاري]
مرعاة حال أهل الضرر
عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أملى عليه: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله).
قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلا أعمى،
فأنزل الله -تبارك وتعالى- على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه، فأنزل الله -عز وجل-: (غير أولي الضرر)[البخاري]
فبعد أن تكلم الله عن فضل الجهاد وحرض المؤمنين عليه، بين الله أنه لا يستوي المتخلفون من المؤمنين الأصحاء الذي قعدوا عن الخروج للجهاد في سبيل الله مع من خرجوا للجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
رفع الحرج عن أصحاب الأعذار
قال الله: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ…)
نقل القرطبى عن ابن العربى أنه قال: المختار أن يقال: إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر،
وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به المشى، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك.
الطرد من رحمة الله لمن آذى أعمى
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض،
ملعون من كمه أعمى عن الطريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل عمل قوم لوط ” قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ثلاثا في اللوطية)[أحمد]
في هذا الحديث ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عددا من كبائر الذنوب التي تستوجب الطرد من رحمة الله، وذكر رسول الله منها من أضل أعمى عن مقصده أو دله على غير ما يريد.
معاتبة الله لنبيه في رجل أعمى
عاتب الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في عبد الله بن أم مكتوم بسبب إعراضه عنه وعبوسه في وجهه.
فقد جاء راغبا في الإسلام إلا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان منشغلا بسادات قريش ولم يعلم الرجل بذلك لأنه كفيف وكان رسول الله يطمع في إسلام هؤلاء السادة لأنه بإسلامهم سيسلم قومهم معهم، فأنزل الله قرآنا يعاتب فيه نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال:
(عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ)