الصبر على المصائب وتكفير الذنوب
الصبر هو السلاح الذي يتسلح به المسلم في هذه الدنيا ليواجه به مصائب الدنيا وشدائدها، فإذا صبر نال الأجر العظيم على ما نزل به من ابتلاءات، وكانت تلك الشدائد رفعة له في الدرجات.
المصائب كفارة لأصحابها
يجازي المسلم في الآخرة على الصبر على المصائب التي تنزل به في الدنيا فتكون كفارة له، فمن أصابه مرض وصبر على ألم المرض فإنه يحط عنه من خطاياه، حتى الشوكة التي تصيب الإنسان إذا صبر عليها ولم يصبه سخط ولا ضجر فإنه يؤجر على صبره هذا.
عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها)[البخاري]
مثل المؤمن والمنافق أمام المصائب
إن المؤمن إذا نزلت به مصيبة حمد الله واسترجع فحفظ توازنه ولم يذهله هول المصيبة فلا يفعل ما لا يليق.
أما المنافق فلا يطيق صبرا وربما أذهلته المصيبة عن عقله فينطق بكل قبيح.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمن كالخامة من الزرع، تفيئها الريح مرة، وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة، لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة)[البخاري]
فالمؤمن إذا نزل به أمر الله علم أنه قضاء قدره الله عليه فاستجاب له، وإذا نزل به مكروه رجا أن يجعل الله له فيه الأجر،
فإذا ذهب البلاء عنه شكر الله على نعمة العافية والنجاح في الابتلاء، ويكون مثله كمثل الرطب من الزرع تقلبها يمينا ويسارا ثم تستقيم من جديد.
أما الكافر والمنافق فلا يكون من الله له اختبار بل ربما يعافيه الله في الدنيا ليشتد عذابه في الآخرة، فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له المثل بالأرزة وهي الشجرة العظيمة التي لا تحركها الرياح ولا تزعزها حتى يرسل الله عليها ريحا عاصفا فتقتلعها من الأرض دفعة واحدة.
ما يقال عند عيادة المريض
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المرضى ولم تكن عيادته للرجال فقط، وإنما كان يعود النساء أيضا ويبشرهن بذهاب خطاياهن طمانة لقلوبهن، وأن المرض يذهب بالخطايا كما تذهب النار بخبث الذهب والفضة.
عن أم العلاء قالت: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مريضة، فقال: (أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة)[أبو داود]
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: ما لك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟
قالت: الحمى لا بارك الله فيها فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد)[مسلم]
الابتلاء سنة الله في الخلق
ما يبتلي الله به عباده من الفتن والمحن إنما هي بمثابة اختبار من الله لهم ليتميز المؤمن من المنافق، فإن النطق بكلمة الإيمان باللسان وحدها لا يكفي لأن ينال المرء ما عند الله من الخير بل لابد من أن يثبت صدق إيمانه بالصبر على البلاء.
قال الله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
لقد وعد الله عباده بالابتلاء حتى يكونوا على حذر من هول المصيبة إذا نزلت بهم، فيستعدوا لها قبل نزولها بهم، ولا نجاح في مثل هذه الاختبارات إلا بالتسلح بسلاح الصبر.
قال الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
وقال الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)
تهوين شأن المرض على المريض
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل على مريض يعوده قال له:
(لا بأس، طهور إن شاء الله). قال: قلت: طهور؟ كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور، على شيخ كبير، تزيره القبور. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فنعم إذا)[البخاري]
يؤخذ من هذا الحديث جواز عيادة السلطان أو الحاكم أحد أفراد رعيته، وأن يهون الإنسان شأن المرض على المريض بذكر الثواب العظيم الذي أعده الله له على صبره على المرض.
لكن الأعرابي رد ردا متشائما على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن عنده باب أمل واحد في الشفاء فمات في مرضه هذا.
تعظيم الأجر باشتداد المرض
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشتد به المرض ليعظم به أجره، قال عبد الله بن مسعود دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك وعكا شديدا، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا؟
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم).
فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أجل).
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يصيبه أذى، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها)[البخاري]
لا تدعوا على أنفسكم
عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال:
إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون،
ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)[مسلم]
خير الناس من طال عمره وحسن عمله
الحياة فرصة للازدياد من الخير والترقي من حال إلى حال، حتى ينتهي العبد بمقام القرب من الله عزوجل.
عن عبد الله بن بسر أن أعرابيا قال: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: (من طال عمره، وحسن عمله)[الترمذي]