جاء الإسلام من أجل أن يهذب السلوك البشري حتى يكون مصدر خير للآخرين، ونهاه عن السلوك العدواني الذي يخرج به عن إطار الفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها، لئلا يكون مصدر إزعاج للآخرين.
الإسلام ينهى عن التنمر
نهي الإسلام عن التنمر بالآخرين والتي منها السخرية والاستهزاء والتنابذ بالألقاب، لأن هذا من الأخلاق الذميمة التي نهى الإسلام عنها.
قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
القول الحسن وسلامة اللسان
من الأمور التي تعين الإنسان على عدم التنمر بالآخرين أن يكون حريصا على الكلمة التي تخرج من بين شفتيه فلا ينطق بالكلمة التي تؤذي الآخرين، قال الله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أعظم أعمال الإسلام أجرا وأعلاها مرتبة هو حفظ اللسان.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قالوا: (يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)[البخاري]
ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التطاول باللسان على الآخرين، وبين أن هذا مما يتسبب في وصف الإنسان بالفسوق.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) فشتم الإنسان والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤذيه فجور وخروج عن طريق الله المستقيم.
تقليد الآخرين تقليلا منهم من التنمر
إن التقليد للآخرين على سبيل التقليل منهم والاحتقار لهم نوع من التنمر المذموم، والغيبة المنتنة التي نهى الإسلام عنها.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حسبك من صفية كذا وكذا، قال غير مسدد: تعني قصيرة،
فقال: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: (ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا)[أبو داود]
قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها وما أعلم شيئا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ.
النهي عن إيذاء الجار
إيذاء الجار بالتطاول عليه باللسان أو باليد أو بالخوض في عرضه أو بأي أمر آخر هذا يعتبر نوعا من التنمر المذموم الذي نهانا الإسلام عنه.
عن أبي شريح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه)[البخاري]
وهذا حكم شديد على أولئك المتنمرين على جيرانهم بعدم كمال إيمانهم حيث أقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك وهذا يؤكد على عظم حق الجار.
قال ابن حجر: وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر.
ضحك الصحابة من عبد الله بن مسعود
كان عبد الله بن مسعود يجمع يوما أعوادا من الآراك التي يتخذ منها السواك، فرأي الصحابة دقة ساق ابن مسعود، وكانت صغيرة فضحكوا،
فلما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبب ضحكهم أخبرهم أن قيمة الإنسان لا تكمن في هذه الجانب المادي، وإنما تكمن قيمة الإنسان في جانبه الروحي ومكانته عند الله.
والسعيد هو من علا عند الله شأنه، والتعيس من نال الحظوة في الدنيا لكنه لا يساوي عند الله جناح بعوضة.
عن زِر ّبن حُبَيش عن ابن مسعود: أنه كان يجتني سوَاكاً من الأَراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تَكْفَؤُة، فضحك الَقوم منه.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مِمَّ تضحكون؟)، قالوا: يا نبي الله، من دقّة ساقَيْه، فقال: (والذي نفسي بيده، لَهُمَا أثقل في الميزان من أُحُدٍ)[أحمد]
فقد يكون الإنسان عظيم الجسد لكنه خاوي الروح لا يساوي عند الله شيئا، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة. وقال: اقرؤوا إن شئتم: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا)[البخاري]
قيمة الإنسان تكمن في قلبه وعمله
ليست قيمة الإنسان تكمن في جسده، وإنما القيمة الحقيقية للإنسان تكمن فيما يحمله في قلبه؛ لأن هذه القلوب هي محل الإيمان والكفر، والحب والبغض، وفيما يقوم به الإنسان من أعمال صالحة يخلص في أدائها لوجه الله.
أما القلوب الفاجرة والأعمال الطالحة التي لا يبتغى بها الإنسان وجه الله لا تزيده إلا انحطاطا، فلا تتنمر بمن يكون بسيطا في مظهره؛ لأنه ربما يكون في جوهره أفضل عند الله منك.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)[مسلم]
أصحاب العاهات لهم همم عالية
قد يكون الإنسان من أصحاب العاهات التي تكون عذرا له في عدم القيام بكثير من الأعمال، لكنه بالرغم من ذلك يملك من الهمم العالية ما لا يملكه أصحاب الأجسام السليمة.
عن أبي إسحاق بن يسار قال: كان عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة، يشهدون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد أمثال الأسد.
فلما كان يوم أحد، أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله قد عذرك، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أما أنت فقد عذرك الله، فلا جهاد عليك) وقال لبنيه: (لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة) فخرج معه، فقتل يوم أحد. [معرفة الصحابة]
للاطلاع على المزيد: