نزول القرآن منجما على قلب النبي صلى الله عليه وسلم

لقد نزل القرآن منجما أي مفرقا على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة وعشرين عاما، على حسب الوقائع والأحداث التي كانت تحدث.

نزول القرآن جملة واحدة

ورد في آيات القرآن ما يفيد أن القرآن نزل جملة واحدة، فقد أخبرنا الله تعالى في القرآن أنه نزل في شهر رمضان فقال الله: (‌شَهْرُ ‌رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).

وسمى الله لنا تلك الليلة التي نزل فيها القرآن فقال الله: (إِنَّا ‌أَنْزَلْنَاهُ ‌فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

ووصف الله هذه الليلة التي نزل فيها القرآن بأنها ليلة مباركة فقال الله: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا ‌أَنْزَلْنَاهُ ‌فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ).

وهذا معناه أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزة بالسماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفرقا على حسب الوقائع والأحداث في ثلاثة وعشرين عاما بواسطة أمين الوحي جبريل.

حكمة نزول القرآن مفرقا

هناك الكثير من حكم نزول القرآن مفرقا على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- منها:

1 – متابعة الأحداث للإجابة عليها والبيان لها، قال الله: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً).

2 – التمهل بالناس ليستوعبوا هذا الوحي استيعابا كاملا، وليخرجوا به من الوثنية إلى التوحيد الكامل، قال الله: (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا).

3 – طمأنة قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما استنكر هؤلاء المشركون نزول القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- منجما، وطلبوا أن لو كان قد أنزل جملة واحدة كغيره من الكتب، أجابهم الله فقال:

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ‌وَرَتَّلْنَاهُ ‌تَرْتِيلًا).

الحوادث التي نزل فيها القرآن

من يتأمل آيات القرآن الكريم يجد أنه كان يراقب أحوال الناس بعناية وينزل في كل حادثة تحدث آيات من القرآن ليتعلم الناس أحكام دينهم.

فعلى سبيل المثال نزلت آية الظهار في سلمة بن صخر، فقال الله: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

الَّذِينَ ‌يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ

وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

وآية اللعان نزلت في هلال أمية فقال الله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ‌فَشَهَادَةُ ‌أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) إلى آخر آيات الملاعنة.

وآية حد القذف نزلت في الذين رموا عائشة -رضي الله عنه- بالإفك فقال الله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )

ونزلت آية تحويل القبلة بعد أن هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وصلى المسلمون إلى جهة بيت المقدس وكان رسول الله يتمنى أن يحول الله قبلته إلى قبلة أبيه إبراهيم فقال الله:

(‌قَدْ ‌نَرَى ‌تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).

وهكذا كانت الآيات تتنزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- على حسب الوقائع والأحداث، لتجيب الآيات على أسئلة السائلين، ولتبين لهم ما جهلوه وليطمئن قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويستأنس بالوحي.

نزول القرآن غير مرتب الآيات والسور

تبين مما سبق أنه كان من حِكَم نزول القرآن مفرقا، الإجابة والبيان، وتثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعليم المؤمنين بتؤدة وثبيت قلوبهم، كما في قول الله :

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)

وهذا اقتضى أن تنزل الآيات غير مرتبة، فربما نزلت الآية قبل السورة التي ستثبت فيها، من أجل تثبيت قلوب المؤمنين والهداية لهم،

فكانت إذا نزلت الآية أو الآيات يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لكتبة الوحي اكتبوا هذه الآية في موضع كذا من سورة كذا.

المكي والمدني من السور والآيات

نزول القرآن منجما كان سببا في وجود المكي والمدني من السور والآيات، والمكي من السور والآيات هو كل ما نزل قبل الهجرة، والمدني هو كل ما نزل بعد الهجرة، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة سمى مدنيا.

والسور المكية تختلف في موضوعاتها عن السور المدنية، فالمكية تناقش عبدة الأصنام والأوثان من المشركين، وتدعوهم إلى التوحيد والإيمان بالله، وتذكرهم بقصص الأنبياء الذين جاءوا قبلهم،

وأما السور المدنية فإنها تهتم بأحكام المعاملات والإشارة للمحرمات من الخمور وأحكام المعاملات والجنايات وغير ذلك من الأحكام التي تنظم المجتمع المسلم.

Exit mobile version