يطلق النسخ في لغة العرب ويراد به إبطال الشيء ورفعه، وفي اصطلاح العلماء يراد به رفع الحكم الشرعي السابق بحكم شرعي لاحق.
أنواع النسخ
للنسخ أنواع ثلاثة وهي:
1 – ما نسخ تلاوة وحكما، وهذا معناه أن ما نزل من القرآن يرفع تلاوة فلا يوجد في المصحف ويرفع الحكم الذي دلت عليه تلك الآيات.
2 – ما نسخ تلاوة لا حكما، وهذا معناه أن تلاوة هذه الآيات ترفع من المصحف لكن يبقى حكمها، ومثال ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس قال:
قال عمر بن الخطاب، وهو جالس على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن الله قد بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب،
فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده.
فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله،
وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف.
3 – ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته، وهذا معناه أن الحكم الذي دلت عليه الآية يكون مرفوعا لكن تبقى الآية تتلى في المصحف.
ومن هذا النوع قول الله: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا)
وهذا منسوخ بآية الجلد في قول الله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) .
ما يكون فيه النسخ
يقع النسخ في الأحكام والأوامر والنواهي، أما الأخبار التي ليس فيها طلب فلا يدخلها نسخ، والوعد بالجنة والوعيد بالنار لا يدخله نسخ،
وهذا معناه أن الآيات التي ورد فيها ذكر الجنة والنار يعد الله فيها المؤمنين بالجنة والكافرين بالنار لا يدخلها نسخ؛ لأن الله لا يخلف وعده،
والأخبار التي تتحدث عن قصص الأنبياء السابقين لا يدخلها نسخ أيضا لأنها تحكي حكاية السابقين،
فبقي النسخ مختصا بالأحكام التي يشرعها الله لعباده، فينسخ بعضها من باب التخفيف على العباد أو من باب الترقي في الحكم لما هو فوقها.
الفرق بين النسخ والبداء
البداء معناه الظهور بعد الخفاء بمعنى أن يستصوب المرء شيئا بعد أن كان يجهله، أو أن يستصوب المرء رأيا ثم يظهر له رأي جديد لم يكن يعلمه، وهذا بالنسبة لله محال لأنه يستلزم الجهل على الله.
وأما النسخ فليس فيه سابق جهل وإنما يضع الله الحكم الذي يتناسب مع حال الناس حتى يتأهلوا للحكم الجديد،
وهذا مثله كمثل الطبيب الذي يأتيه المريض في حالة مرضية معينة فيصف له دواء يتناسب مع حالته، وهو يعلم أنه يؤهله بهذا الدواء لمرحلة صحية معينة حتى يكون قادرا على أخذ دواء جديد.
هكذا الأمر في النسخ يؤهل الله للعباد لحكم جديد يعلمه الله قبل أن يخبرهم به.
فضل معرفة الناس والمنسوخ
كان السلف -رضوان الله عليهم- يهتمون بأمر الناسخ والمنسوخ من القرآن وكانوا يقولون: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله تعالى إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ.
وروي عن علي بن أبي طالب أنه دخل يوما المسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرحمن بن دأب،
وكان صاحبا لأبى موسى الاشعرى، وقد تحلق عليه الناس يسألونه، وهو يخلط الأمر بالنهى والإباحة بالحظر، فقال له على (رضي الله عنه) : أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت.
كيف نعرف الناسخ والمنسوخ
هناك علامات نعرف بها الناسخ والمنسوخ منها:
1 – إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن هذا ناسخ والآخر منسوخ.
2 – معرفة الوقت الذي قيل فيه كل من الناسخ والمنسوخ فنحكم للمتقدم بأنه منسوخ وللمتأخر بأنه ناسخ.
مثال الناسخ والمنسوخ من السنة
من الأمثلة على الناس والمنسوخ من السنة منها ما ورد في حديث واحد ، ما رواه مسلم عن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:
(يا أيها الناس! إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا).
وهنا اجتمع الناسخ والمنسوخ في حديث واحد حيث بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قد أذن في نكاح المتعة قبل ذلك ثم بين أنه صار محرما إلى يوم القيامة.
وعن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرا)[مسلم]
فنهى أولا عن زيارة القبور ثم أذن في زيارتها، وهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام بسبب الفاقة التي أصابت الناس ثم أذن لهم بادخارها.