الحكمة من أمية النبي صلى الله عليه وسلم وأمية العرب
يسمى الشخص أميا نسبة إلى يوم ولدته أمه، فهو يوم ولادته لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة ولا يعرف إلا أمه، لذلك نسب إليها.
الدليل على أمية الرسول من القرآن
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أميا لا يقرأ ولا يكتب، وهذا من المقطوع به، وقد بعث في في أمة أمية، وإذا ثبت هذا استحال أن يكون رسول الله قد استلهم هذا الوحي من سجلات الغابرين من الأمم السابقة.
وقد رد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن بأنه أمي، فقال الله: (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ).
وأكد الله تعالى أن رسوله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يكتب ولا يقرأ، ولو كان كذلك لتشكك الناس في الوحي الذي أوحاه الله إليه واعتقدوا أن هذا مما تعلمه من الأمم الأخرى عن طريق القراءة والكتابة، فقال الله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).
الدليل على كون العرب أمة أمية
لم يكن العرب أمة كاتبة وقارئة بل كان الذين يقرؤن ويكتبون يعدون على الأصابع، فوصف أهل الكتاب العرب الذين بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأميين وذكر الله ذلك عنهم فقال: (بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
وبين الله -عز وجل- أنه بعث نبيه -صلى الله عليه وسلم- في الأميين فقال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
وكان حظ المدينة من القراءة والكتابة أقل من عدد الذين يقرؤون ويكتبون في مكة، لذلك كان أول شيء فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انتصر المسلمون في غزوة بدر جعل فداء الأسرى من المشركين ممن يقرؤون ويكتبون أن يعلم الواحد منهم عشرة من أبناء المسلمين.
وكان من المعروف والمسلم عند هؤلاء العرب أمية النبي -صلى الله عليه وسلم.
دلالة الواقع على أمية النبي
لو لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أميا لما اتخذ لنفسه كتابا يكتبون له الوحي، وكان من أكثر هؤلاء الكتاب الذين يكتبون له الوحي هما: زيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان.
وذكر المؤرخون أن العباس أرسل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة يخبره بتجمع قريش وخروجهم إليه لغزوة أحد،
فاستدعى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي بن كعب فدفع الكتاب له ليقرأ ما كتبه له العباس، فلو كان رسول الله قارئا لم أحتاج لأن يرسل لأبي ليقرأ له.
الحكمة من أمية الرسول
بين الله تعالى الحكمة من أمية الرسول حيث قال الله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).
لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قارئا لقال الناس قولا باطلا، وادعوا أن رسول الله حصل على تلك العلوم من مطالعاته وقراءاته التي اطلع عليها،
فكان من حكمة الله تعالى أن يغلق الباب أمام كل الشبه والحجج التي يأتي بها المشركون حتى تتم الحجة لكتاب الله على الجميع.
ومع هذا جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أعجز العرب، وأعجز الإنس والجن أجمعين عن أن يجدوا فيه خطأ واحدا يثبتون به أنه ليس من كلام خالق هذا الكون.
وما زال كتاب الله لما يزيد على أربعة عشر قرنا من الزمان لم يستطع أحد من الناس أو من الهيئات العلمية المختلفة أن تدعي أنه يوجد بالقرآن خطأ من أي نوع.
وتلك الأمية التي كان عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فتحت له بابا من أبواب خزائن علم الله، حيث علمه الله عن طريق جبريل الوحي، وملأ قلبه بالإيمان والحكمة.
فقال الله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).
الحكمة من أمية العرب
شاءت حكمة الله تعالى أن يرسل رسولا أميا في أمة أمية لنفس السبب الذي من أجله أرسل الله نبيا أميا؛
لأن الأمة التي بعث فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو كانت أمة عالمة ولها اطلاع على العلوم وثقافات الأمم لقالت الأمم الأخرى أن هذا الذي يدعون إليه الأمم الأخرى ليس من الوحي وإنما هو الثقافات والعلوم التي اطلعوا عليها من ثقافات الأمم الأخرى.
من أجل ذلك أغلق الله هذا الجانب وجعل الأمة التي بعث فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمة أمية.
الادعاء بأن القرآن من تعليم البشر
ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي راهبين:
الأول: وهو ورقة بن نوفل ولم يكن وحده وإنما كانت معه زوجته خديجة، وكان النبي قد أوحي إليه، ووعد ورقة رسول الله أن ينصره عندما يخرجه قومه لكنه مات قبل ذلك.
والثاني: هو بحيرى الراهب، لقيه ومعه عمه أبو طالب لما خرج في تجارة للشام مع عمه أي طالب وهو غلام صغير، ولما عرف أوصاف النبوة التي كانت في محمد -صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يرجع بابن أخيه حتى لا يناله أذى من المشركين.
لكن هؤلاء المشركين ادعوا أن هذا القرآن من تعليم عبد رومي للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا كذب محض؛
لأنه لو كان كذلك لما نسي أن ينسب هذا العبد الرومي الفضل لنفسه، وأن يأتي بمثل هذا القرآن الذي أعجز العرب والإنس والجن عن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه.
ولو فعل هذا العبد الرومي ذلك لرفعه العرب والعجم فوق رؤوسهم، وتلك فرصة لا يفوتها أحد على نفسه، لكن هذا لم يحدث وما كان ليحدث لأنه غلام أعجمي لا يعرف ما يعرفه العرب من فنون الكلام، وثبت أن ما جاء به رسول الله إنما مصدره الوحي الإلهي فقط.
قال الله: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).
قال الطبري: ولقد نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلا منهم: إنما يعلم محمدا هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم، وما هو من عند الله، يقول الله تعالى ذكره مكذّبهم في قيلهم ذلك:
ألا تعلمون كذب ما تقولون، إن لسان الذي تلحدون إليه: يقول: تميلون إليه بأنه يعلم محمدا أعجميّ، وذلك أنهم فيما ذُكر كانوا يزعمون أن الذي يعلِّم محمدا هذا القرآن عبد روميّ،
فلذلك قال تعالى (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) يقول: وهذا القرآن لسان عربيّ مبين.