موضوعات اسلامية

الاستعداد للموت وذم طول الأمل

الدنيا هي مرحلة من المراحل التي يحيا فيها الإنسان، وربما هي أقل المراحل التي يحيا فيها، وعلى أساس ما يعمله في الدنيا يكون الجزاء.

أعمار الإنسان غير الدنيا

هناك عمر آخر وهو عمر القبر، ثم عمر الموقف للحساب، ثم عمر الآخر وهو العمر الذي لا ينتهي أبدا.

تمني الرجوع للدنيا

ما من أحد يعاين مصيره في الآخرة إلا ويتمنى أن يعود إلى الدنيا من جديد إن كان مؤمنا يريد الرجوع للدنيا ليستزيد من العمل،

وإن كان كافرا يتمنى الرجوع للدنيا ليصلح ما أفسده، قال الله:

(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوُتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ. لَعَلّى أَعمَلُ صَلِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَإِذَا نُفِخَ فيِ الصَّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ).

الأمل الذي يقطعه الأجل

الإنسان في الدنيا يطول أمله حتى ينسيه أجله، فيظل مشغولا ولاهثا وراء أمله حتى يأتي الأجل فيطع عليه هذا الأمل.

وضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه المثل لذلك، عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خط خطا مربعا،

وخطا وسط الخط المربع، وخطوطا إلى جانب الخط الذي وسط الخط المربع، وخطا خارجا من الخط المربع، فقال: (أتدرون ‌ما ‌هذا؟) قالوا: الله ورسوله أعلم،

قال: (هذا الإنسان الخط الأوسط، وهذه الخطوط إلى جنبه الأعراض تنهشه -أو تنهسه- من كل مكان، فإن أخطأه هذا أصابه هذا، والخط المربع، الأجل المحيط، والخط الخارج ‌الأمل)[ابن ماجه]

الموت قادم لا محالة

مهما تمسك الإنسان بشيء من أسباب الدنيا، ومهما طال أمله في دنياه فإن الموت قادم لا محالة ولا استثناء لأحد منه.

قال الله: (قُلْ إِنَّ المَوْتَ الذَّي تَفِرُّونَ مِنْهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادةِ فَيُنَبِئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلُونَ).

فماذا يظن الإنسان لو تمتع في هذه الدنيا بكل ما فيها من متع، فإن هذا لا يمنع نزول ما حدده الله له.

قال الله: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءهُم مَّا كانُواْ يُوعَدُونَ. ما أَغْنَى عَنْهُم مَّا كانُوْا يُمَتَّعُوَن)

صل صلاة مودع للدنيا

كان من وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- التي أوصى بها ألا نصلي صلاة إلا وكأننا نودع هذه الدنيا، حتى نحسن أداءها ونؤديها على الوجه الأكمل.

عن أبي أيوب قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني، وأوجز، قال:

(إذا قمت في صلاتك فصل ‌صلاة ‌مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس عما في أيدي الناس)[ابن ماجه]

ذم طول الأمل

تجنب طول الأمل لأن الإنسان إذا طال في الدنيا أمله، حمله ذلك على ترط الطاعة واستثقالها، وترك التوبة وتسويفها بقول: سأتوب، ولا يتوب لأنه منشغل بأمله الطويل، وهذا يلهيه عن آخرته، ويقسي قلبه.

قال الله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ اْلحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)

وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “أخوف ما أخاف عليكم اثنان: طول الأمل، واتباع الهوى.

ألا إن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصدك عن الحق، فإذن يصير فكرك في حديث الدنيا، وأسباب العيش في صحبة الخلق نحوها، فيقسو القلب،

فبسبب طول الأمل تقل الطاعة، وتتأخر التوبة، وتكثر المعصية، ويشتد الحرص، ويقسو القلب، وتعظم الغفلة، فتذهب والعياذ بالله إن لم يرحم الله،

فأي حال أسوأ من هذه، وأي آفة أعظم من هذه، وإنما رقة القلب وصفوته بذكر الموت ومفاجأته والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة.

الانشغال باللذة العاجلة

هناك من الناس من أغرقتهم الدنيا فصاروا لا ينشغلون إلا باللحظة الحاضرة، واللذة العاجلة، ولا ينشغلون بما وراء ذلك أبدا.

هؤلاء قال الله عنهم: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)

وعن هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يزال ‌قلب ‌الكبير ‌شابا في اثنتين: في حب الدنيا وطول الأمل)[البخاري]

وطول الأمل ليس مذموما في حد ذاته؛ لأن به يتقوى الإنسان على أمور دنياه، وإنما المذموم هو المبالغة فيه بحيث ينشغل به عن الآخرة.

قصر الأمل في الدنيا

الدنيا والآخرة كالضرتين إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، قال الله: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً)،

وقال الله: (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِالله آلْغَروُرُ)

عن ‌أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الدنيا ‌حلوة ‌خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)[مسلم]

فهذه الدنيا طيبة مشتهاة للنفوس، والناس لا يشبعون منها مما فيها من مال وجمال وجاه،

والله مستخلف الناس أي يجعل قوما يخلفون قوما، وعلى المتأخر أن يأخذ العبرة من المتقدم، فالسعيد من اتقى الدنيا أي جعل بينه وبينها وقاية حتى لا يغرق فيها وينسى آخرته، والسعيد من اتقى النساء فإن النساء هم خير متاع هذه الدنيا.

مواضيع ذات صلة