أيد الله تعالى نبيه بالكثير من المعجزات المادية منها ما ورد ذكره في القرآن، ومنها ما ورد في السنة النبوية، لكن أعظم معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإطلاق هي معجزة القرآن الكريم.
القرآن الكريم
من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- الخالدة القرآن الكريم، وهو أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم.
فهو المعجزة التي تحدى الله بها العرب وهم أرباب اللغة والبيان، فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
ولم يكن هذا التحدي للعرب وحدهم وإنما وسع الله دائرة التحدي فتحدى الإنس والجن جميعا، فقال الله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
فلما ثبت عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن كله، تحداهم أن يأتوا بمثل عشر سور منه، فقال الله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
فعجزوا عن هذا التحدى فخفف الله لهم التحدى، فتحداهم أن يأتوا بمثل أقصر سورة من القرآن فقال الله: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
وقال الله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
فلما عجزوا عن هذا التحدى لجئوا لأمر آخر وهو أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم من أجل محاربة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكان يكفيهم أن يأتوا بمثل سورة واحدة من سور القرآن ليبطلوا تلك المعجزة، لكنهم عجوا فثبت أن القرآن معجزة من عند الله وليس من قول محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا من قول أحد من البشر.
فهذا القرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخْلَق عن كثرة الرد، وهو متواتر مقطوع به في أقصى درجات التواتر، فما من بلد إلا وفيها من حفظة القرآن ما لا يعرف عددهم إلا الله.
انشقاق القمر
طلب المشركون من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية تؤكد صدقه في نبوته فأحدث الله لهم معجزة انشقاق القمر نصفين حتى كان حراء بينهما.
لكنهم بعد أن رأوا ما طلبوه من المعجزة قالوا: هذا سحر. ثم قال جماعة من المشركين انتظروا عندما يأتي الناس من أسفارهم ونسألهم هل رأو القمر مشقوقا نصفين فإنه إن استطاع أن يسحر أعين الحاضرين فإنه لن يستطيع أن يسحر أعين الغائبين،
فلما حضر الناس من أسفارهم وسألوهم هل رأوا القمر مشقوقا نصفين فأخبروهم بأنهم قد راوه حقا.
قال الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ)
عن ابن مسعود قال: (بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى) فانشق القمر فلقتين: فلقة من وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اشهدوا. يعني: (اقتربت الساعة وانشق القمر)[الترمذي]
وعن أنس -رض الله عنه- قال: (سأل أهل مكة النبي -صلى الله عليه وسلم- آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فنزلت: (اقتربت الساعة وانشق القمر) إلى قوله (سحر مستمر) يقول: ذاهب)[الترمذي]
معجزة الإسراء والمعراج
ورد ذكر معجزة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم في سورتي الإسراء والنجم، والإسراء هو السير ليلا، والمعراج هو عروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلى.
وكان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى على البراق، وكانت هذه المعجزة بروح النبي -صلى الله عليه وسلم- وجسده.
وكانت رحلة الإسراء والمعراج بمثابة تكريم من الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن جفاه أهل الأرض.
فقد ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بعد أن اغلق أهل مكة قلوبهم ولم يقبلوا دين الله، فذهب رسول الله لأهل الطائف لعله يجد أناسا تلين قلوبهم لدين الله لكنهم كانوا أقسى من أهل مكة.
ورجع رسول الله إلى مكة من جديد لكن أهلها منعوه من دخولها، فلم يستطع رسول الله أن يدخل مكة إلا في جوار المطعم بن عدي، وكان رجلا مشركا.
فبسبب كل هذا الجفاء الذي تعرض له رسول الله أحدث الله له تلك الرحلة السماوية تكريما وتشريفا له.
قال الله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وهذه الآية أشارت لرحلة الإسراء إشارة واضحة، وأشارت لرحلة المعراج في قول الله: (لنريه من آياتنا)
فهذه الآيات كانت في السماوات العلى، وهي ما ذكره الله في سورة النجم فقال الله: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).
ولما أخبر رسول الله قومه بما حدث له طلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس ولم يكن رأى كل ما فيه لأنه هب ليلا، فأحدث له الله معجزة اخرى حيث مكنه من رؤيته فجعل يصف لهم كل ما فيه.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لما كذبني قريش، قمت في الحجر، فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه)[البخاري]
وفي تلك الرحلة عرض عليه الخمر واللبن فاختار اللبن وترك الخمر، قال أبو هريرة أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، قال جبريل: (الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك)[البخاري]