امتن الله على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث جعلهن أمهات للمؤمنين كما في قول الله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)،
لكن بالرغم من ذلك كن يصدر منهن بعض المضايقات للنبي -صلى الله عليه وسلم- كطلبهن زيادة النفقة.
قصة طلب زوجات النبي زيادة النفقة
اجتمع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- حوله يطلبن منه زيادة النفقة، وأن يكن لهن من الثراء مثل ما لنساء الملوك وأصحاب المال.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخذ على نفسه ألا يتميز عن بقية أصحابه وأن يكون قدوة للجميع.
لكن لما وجد إصرارهن على ذلك اعتزلهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المشربة شهرا، حتى تألم الصحابة لذلك، فدخل أبو بكر وعمر على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
حتى أنزل الله آية التخيير لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، بين اختيار الدنيا أو اختيار الله ورسوله، فنجحن في هذا التخيير واخترن الله ورسوله.
عن جابر بن عبد الله قال: (دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال:
فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر، فاستأذن فأذن له، فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا، قال:
فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها، فوجأت عنقها، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة.
فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده؟!
فقلن: والله لا نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا ليس عنده.
ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية:
(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)
قال فبدأ بعائشة، فقال: يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك؟
قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله، ورسوله، والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت.
قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا)مسلم
تخيير النبي لعائشة بعد نزول آية التخيير
بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة قبل زوجاته وطلب منها ألا تتعجل في اختيارها حتى تستشير أبويها في هذا الأمر.
عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: (إني ذاكرا لك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك).
قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها – إلى – أجرا عظيما).
قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي -صلى اله عليه وسلم- مثل ما فعلت)البخاري
تفسير آية التخيير
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)
لما انهزم الأحزاب الذين اجتمعوا حول المدينة، ونصر الله نبيه على يهود بني قريظة، ظن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهن سيتمتعن بغنائم اليهود،
وطلبن أن يعشن كبنات الملوك كسرى وقيصر، واشتكين للنبي -صلى الله عليه وسلم- ضيق الحال الذي هم عليه.
فتألم قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- لمطالبهن تلك، فهجرهن شهرا فأنزل الله آية التخيير هذه حيث خيرهن الله بين أن يخترن متاع الدنيا، وفي هذه الحالة سيطلقهن رسول الله طلاقا جميلا لا إساءة فيه، وأن يعطيهن متعة تخفف عنهن قسوة الفراق.
وإن كنتن تؤثرن حب الله ورسوله والدار الآخرة ونعيمها على نعيم الدنيا فإن الله هيأ للمحسنات منكن أجرا عظيما لاختياركم الله ورسوله.
ومعنى “من ” في قول الله “منكن” للبيان وليس للتبعيض لأن كل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- محسنات وليس بعضهن.
وهذا الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالتخيير لنسائه كان واجبا لأنه من الوحي الذي يجب تبليغه.
وظاهر من الآية أن من اختارت الله ورسوله حرم على النبي -صلى الله عليه وسلم- طلاقها كما أشار إلى ذلك الإمام الرازي.