تفسير

قصة مريم والمسيح عيسى ابن مريم من سورة مريم

تحدثنا هذه الآيات من سورة مريم عن قصة مريم وحملها بولدها المسيح عيسى ابن مريم وولادتها له، وكيف أنظقه الله بعد أن تمنت الموت قبل الحمل والولادة.

ابتعاد مريم عن قومها

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)

واذكر يا محمد القصة الثانية في هذه السورة وهي أعجب من قصة ميلاد يحيى بن زكريا، فإن كان يحيى قد ولد من أم عاقر وأب بلغ من الكبر منتهاه حيث بلغ مائة وعشرين عاما،

فإن في قصة ميلاد عيسى ما هو أعجب، حيث ولد من امرأة من غير زوج، وهذا الأمر في غرابته يشبه خلق آدم -عليه السلام-.

فقد اعتزلت مريم قومها في مكان يلي شرق بيت المقدس حيث كانت قد تفرغت للعبادة وخدمة بيت العبادة.

مجيء الملك لمريم

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧)

لما أن اعتزلت مريم أهلها، وتفرغت للعبادة، اتخذت ساترا بينها وبين أهلها للتفرغ للعبادة، فأرسل الله إليها جبريل فتمثل لها في صورة بشر تام الخلقة حتى تستأنس بالكلام معه؛

لأنه لو كان على صورته الملكية لما تمكن من الكلام معها ولوقع الرعب في قلبها؛ لأن طبيعة الملائكة تختلف عن طبيعة البشر، ولهم أحجام هائلة لا يقوى الإنسان على رؤيته.

استعاذة مريم بالله

قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)

مما يدل على ورع مريم وعفتها أنها لما تمثل لها الملك في صورة بشر استعاذت بالله، وقالت: إني ألتجئ إلى الله وأحتمي به منك، فإن كنت ممن يتقي الله ويخافه فاتركني ولا تؤذني.

جبريل يطمئن مريم

قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩)

قال لها جبريل مزيلا خوفها إنما أنا رسول مرسل من عند الله لأهب لكي غلاما طاهرا مباركا.

استنكار مريم أن تلد من غير زوج

قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)

قالت مريم في دهشة وتعجب من كلام الملك كيف يكون لي غلام ولم أك ذات زوج، ولم أك زانية حتى يكون الولد، فإن هذه هي الأسباب الطبيعية لوجوده.

الإخبار بأن خلق عيسى أمر نافذ لا محالة

قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١)

قال جبريل لمريم هذا الأمر هو حكم الله، وهو أمر هين وسهل على الله، وإنما أراد الله ذلك ليجعله الله آية عظيمة تدل على كمال قدرة الله وحكمته.

فقد خلق الله آدم قبله من غير أب وأم، وخلق حواء من أب من غير أم، ويخلق عيسى من أم من غير زواج ولا سفاح؛ ليعلم الناس أن الله لا يعجزة شيء في الأرض ولا في السماء،

وليكون رحمة للناس باتباع رسالته وكان هذا أمرا مقضيا عند الله لا رجعة فيه.

حمل مريم بعيسى وبعدها عن قومها

فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢)

فلما أخبر جبريل مريم بما كان من أمر الله اطمأنت واستسلمت لأمر الله، ثم حملت به كما تحمل النساء واتخذت مكانا بعيدا عن أهلها خوفا من تعييرهم لها لكونها ولدت من غير زوج، وهذا المكان البعيد كان على بعد أميال من بيت المقدس واسمه بيت لحم.

تمني مريم الموت قبل الحمل والولادة

فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)

لما حملت مريم بعيسى وابتعدت عن أهلها ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، وهو أصل النخلة؛ لتستند عليه، والمخاض هو ألم الولادة من شدة الحركة في بطنها قرب الولادة.

فقالت وقتها متمنية أن لو كانت قد ماتت قبل هذا الحمل وهذا الألم، وكانت شيئا منسيا متروكا لا يذكره أحد.

لقد تمنت الموت قبل هذا اليوم لأنها تعلم أن الناس لن يصدقوا هذا الأمر العجيب أن تلد من غير زوج، فبعد أن كان الناس ينظرون إليها على أنها عابدة قانتة سيصفونها بما لا يليق بها.

قصة مريم والمسيح عيسى ابن مريم من سورة مريم

طمأنة المسيح عيسى لأمه

فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)

اختلف المفسرون في المنادِي لها من تحتها فقال بعضهم: هو جبريل ناداها ليطمئن قلبها من أسفل النخلة.

وقيل: المنادِي لها هو عيسى -عليه السلام- لما تمنت الموت نادها من تحتها؛ لأنه أقرب إليها وهو الذي كان أسفل منها،

ولأن قومها لما سألوها عنه أشارت إليه أن يكلموه ولن تفعل ذلك إلا إذا كانت سمعت كلامه وهذا هو أقرب للصواب،

فطلب المسيح عيسى منها ألا تحزن فقد جعل الله لها جدولا صغيرا يجري فيه الماء أمامها.

الأمر بالأخذ بالأسباب

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)

وطلب منها عيسى -عليه السلام- أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها ما نضج واستوى من الثمر صالحا للأخذ والاجتناء، والآية هنا تعلمنا مباشرة الأسباب من أجل طلب الرزق وتحصيل المعاش.

امتناع مريم عن الكلام

فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)

وكلي من هذا الثمر الصالح للاجتناء والأكل واشربي من هذا الجدول الصغير الذي أمامك، فإذا رأيتي يا أماه أحدا من البشر وسألك عن أمر هذا المولود فقولي لهم:

إني نذرت للرحمن صوما أي إمساكا عن الكلام، فلن أكلم أحدا كائنا ما كان وإنما سأترك الأمر لهذا المولود ليعبر لكم عن حقيقة هذا الأمر.

للاطلاع على المزيد: