ليلة القدر وفضل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان
ليلة القدر من أفضل ليالي العام على الإطلاق، من أجل ذلك حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تحريها في الليالي العشر الأواخر من رمضان حتى ننال فضلها وبركتها.
الحث على طلب ليلة القدر
عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن رجالا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر)[مسلم]
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنها- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (التمسوها في العشر الأواخر (يعني ليللة القدر) فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقي)[مسلم]
الإخبار عن ليلة القدر
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الأوسط من رمضان، يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقوض، ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد. ثم خرج على الناس فقال:
(يا أيها الناس! إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها،
فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت: يا أبا سعيد! إنكم أعلم بالعدد منا قال: أجل. نحن أحق بذلك منكم.
قال قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرين فالتي تليها ثنتين وعشرين وهي التاسعة. فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة. فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة)[مسلم]
وقال ابن خلاد (مكان يحتقان): يختصمان.
ليلة القدر ليلة السابع والعشرون
كان من اجتهاد أبي بن كعب أنه قال إن ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، فعن زر بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب -رضي الله عنه- فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر.
فقال: رحمه الله! أراد أن لا يتكل الناس. أما إنه قد علم أنها في رمضان. وأنها في العشر الأواخر. وأنها ليلة سبع وعشرين. ثم حلف لا يستثني. أنها ليلة سبع وعشرين.
فقلت: بأي شيء تقول ذلك؟ يا أبا المنذر! قال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنها تطلع يومئذ، لا شعاع لها)[مسلم]
اختلاف الصحابة في تحديد ليلة القدر
قال الطبرى: اختلف الصحابة والتابعون لهم بإحسان فى تحديد ليلة القدر بعينها، مع اختلافهم عن النبى -عليه السلام- حدها،
قال ابن مسعود: هى ليلة عشرة من رمضان. وقال على وابن مسعود وزيد بن ثابت: هى ليلة تسع عشرة.
وقال بعضهم: ليلة إحدى وعشرين على حديث أبى سعيد، روى ذلك أيضًا عن على وابن مسعود، وقال آخرون: ليلة ثلاث وعشرين على حديث ابن عمر، وابن عباس.
وروى ذلك عن ابن عباس وعائشة وبلال، وقاله مكحول، وقال ابن عباس وبلال: هى ليلة أربع وعشرين، وهو قول الحسن وقتادة،
وأحسب الذين قالوا هذه المقالة ذهبوا إلى قوله عليه السلام: (التمسوها لسبع بقين) أن السابعة هى أول الليالى السبع البواقى، وهى ليلة أربع وعشرين إذا كان الشهر كاملاً،
وقال على، وابن عباس، وأبى بن الكعب، ومعاوية: هى ليلة سبع وعشرين. وروى عن ابن عمر أنه قال: هى فى رمضان كله، وروى عبد الله بن بريدة عن معاوية، عن النبى -عليه السلام- (أنها آخر ليلة).
وقال أيوب عن أبى قلابة: إنها تجول فى ليالى العشر كلها.
قال الطبرى: والآثار المروية فى ذلك عن النبى -عليه السلام- صحاح، وهى متفقة غير مختلفة، وذلك أن جميعها ينبئ عنه عليه السلام أنها فى العشر الأواخر، وغير منكر أن تتجول فى كل سنة فى ليلة من ليالى العشر كما قال أبو قلابة.
الاعتكاف في العشر الأواخر
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان)[مسلم]
وعن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)[البخاري]
وهذا الحديث فيه دليل على جوزا اعتكاف النساء في المسجد.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجاور في العشر التي في وسط الشهر.
فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين، يرجع إلى مسكنه. ورجع من كان يجاور معه.
ثم إنه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها. فخطب الناس. فأمرهم بما شاء الله. ثم قال:
(إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه،
وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين)
قال أبو سعيد الخدري: مطرنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد [قطر ماء المطر من سقف المسجد] في مصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح. ووجهه مبتل طينا وماء)[مسلم]
وهذا الحديث فيه أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لقول الله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ).
الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله)[البخاري]
وهذا معناه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتزل النساء ويجتهد في إحياء الليل بالقيام ويوقظ أهله حتى يصيبوا الخير معه.
وإنما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك تحريا لطلب ليلة القدر؛ لأنه أخبر أنها في العشر الأواخر من رمضان.
قال ابن بطال في شرح البخاري: إنما فعل ذلك عليه السلام؛ لأنه أخبر أن ليلة القدر فى العشر الأواخر، فَسَنَّ لأمته الأخذ بالأحوط فى طلبها فى العشر كله لئلا تفوت،
إذ يمكن أن يكون الشهر ناقصًا وأن يكون كاملا، فمن أحيا ليال العشر كلها لم يفته منها شفع ولا وتر،
ولو أعلم الله عباده أن فى ليالى السنة كلها مثل هذه الليلة لوجب عليهم أن يحيوا الليالى كلها فى طلبها، فذلك يسير فى جنب طلب غفرانه، والنجاة من عذابه،
فرفق تعالى بعباده وجعل هذه الليلة الشريفة موجودة فى عشر ليال؛ ليدركها أهل الضعف وأهل الفتور فى العمل مَنا من الله ورحمة.
للاطلاع على المزيد:
- أحكام الصيام وفضل الصائمين
- الأحكام المتعلقة بصيام شهر رمضان
- ما هو الصيام وحكمه وأنواع الصيام الواجب ومبطلاته في الإسلام
- فضل العشر الأواخر من رمضان وما يستحب فعله فيها