تعريف الفاصلة والغريب والمعرّب من ألفاظ القرآن
في القرآن الكريم مصطلحات تطلق على اللفظ منها الفاصلة والغريب والمُعرَّب، وكل لفظة من هذه الألفاظ لها المدلول الذي تدل عليه، وهو ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
تعريف الفاصلة في ألفاظ القرآن
الفاصلة هي الكلمة التي تختم بها الآية من القرآن، وسميت الكلمة الأخيرة في الآية بالفاصلة لأن المعنى يتم وضوحا وبيانا بها.
وهذه الكلمة التي تختم بها الآية يتم بها النغم الموسيقي للآية، وغالبا ما تنتهي الكلمة الآخيرة في الآية بالنون والميم وحروف المد الثلاثة وهي: الألف والواو والياء، وهي حروف الموسيقى.
قال سيبويه: “إن العرب إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون، لأنهم أرادوا مد الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا”.
الفاصلة متعلقة بمعنى الآية
وهذه الفاصلة يتعلق معناها بمعنى الآية كلها، ولو حذفت لاختل المعنى، قال الله تعالى:
(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
نص الآية يوحي بالفاصلة
وأحيانا الآية نفسها توحي بالفاصلة قبل نطقها، فقد حكي أن أعرابيا كان لا يقرأ القرآن لكنه لما سمع قارئا يقرأ قول الله: (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم)
قال الأعرابي: هذا ليس من كلام الله، لأن الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه، فتبين للقارئ أن الصواب في الآية أنها مختومة بقول الله: (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فالآيات التي تختم بوصف الله بالحكمة تجد فيها ما يناسب الحكمة، كما في قول الله: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فالمقام هنا مقام تشريع وتحذير يقتضي عزة المحذر وحكمة المشرع.
وفي قول الله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) فالمقام في الآية مقام تعليم، فناسب أن تختم الآية بالعلم والحكمة.
وفي قول الله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
فختمت الآية باللطيف وهذا يناسب ما لا يدركه البصر، والخبير يناسب ما يدركه الإنسان بالبصر.
اختلاف الفواصل مع اتحاد الموضوع
وقد تختلف الفاصلتان في موضعين مع أن المتحدث عنه واحد فيهما كما في قول الله: (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)
وقول الله: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
فالآية الأولى ختمت بقول الله: (لظلوم كفار) وهذا وصف لحال الإنسان مقابل نعم الله، وجاء الوصف للإنسان في ختام هذه الآية لأن الحديث فيها عن صلة الإنسان بالله.
والآية الثانية ختمت بقول الله: (لغفور رحيم) وهذا وصف لله مقابل جحود ونكران نعم الله من الإنسان، وجاء ختام الآية ببيان رحمة الله لأن الحديث في الآية ذكر نعم الله.
تعريف الغريب في ألفاظ القرآن
الغريب من ألفاظ القرآن هو ما قل دورانه على ألسنة الخطباء والعلماء والشعراء، وهذا الغريب بريء من الثقل على اللسان، والكراهة على السمع.
والقرآن يحتوي على عدد قليل من هذه الألفاظ الغريبة لذلك كان البعض لما يستعصي عليه فهم بعض هذه الألفاظ يذهبون لكبار الصحابة يسألونهم عن معاني هذه الآيات.
من هذه الآيات التي ورد بها ألفاظ غريبة قول الله: (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا * وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاكِهَةً وَأَبًّا)
فالقضب هو النبات الذي يؤكل رطبا، والأب ما ترعاه الأنعام.
تعريف المُعرَّب في ألفاظ القرآن
المعرّب هو اللفظ الذي أصله غير عربي، لكن تكلم به العرب، وربما غيروا في حروفه أو أسقطوا بعض حروفه، فوضعوه لمعاني يدل عليه، واستغنوا عن أن يضعوا لهذا المعنى كلمة تدل عليه.
من هذه الكلمات المعربة التي استخدمها القرآن الكريم كلمة إبريق في قول الله: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ).
وكلمة استبرق وزنجبيل وسندس وسلسبيل، كما في قول الله:
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا * عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً * وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).
وهنا لابد وأن نعلم أن اللغات السامية من أصل واحد وربما اتفقت على بعض الكلمات فلا يقال في هذه الحالة أن اللغة العربية قد أخذت عن غيرها من اللغات.
واستخدام القرآن لبعض الألفاظ المعربة لا يخرج القرآن عن كونه بلسان عربي مبين؛
لأن العرب قد نطقوا بتلك الكلمات وارتضوها في كلماتهم والقرآن إنما نزل بلغة العرب، ولم يستنكر العرب استخدام القرآن شيئا من هذه الألفاظ لأنها كانت ضمن كلمات لغتهم.
ووجه إيثار القرآن لتلك الألفاظ دون غيرها لأنها دلت على المعنى المراد بدقة فائقة، وذلك لأن العرب اكتفوا بتلك الكلمات لتدل على المدلول الذي دلت عليه فلم يضعوا لما دلت عليه ألفاظ تعبر عن هذا المعنى،
ولو أرادوا أن يستخدموا لفظا آخر يدل على ما دلت عليه الكلمة المعربة لاحتاجوا لكلمتين أو أكثر، ككلمة استبرق مثلا فمعناها “الديباج الثخين” وما دامت الكلمة المعربة سهلة الاستخدام فهي أولى من الكلمتين.
للاطلاع على المزيد: