تحدثت الآية هنا من سورة البقرة عن صورة الصيام في بداية الأمر أنه كان محرما على الصائم الأكل والشرب والجماع ليلا ثم نسخ الله هذا الحكم من باب التخفيف والتيسير.
إباحة الجماع ليلا في رمضان
قال الله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)
أباح الله لكم أيها المسلمون في ليل رمضان ما يريده الرجل من امرأته، والرفث هي كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من زوجته.
وفي الكشاف: “هو الإفصاح بما ينبغي أن يكنى عنه بين الرجل والمرأة”.
فيباح للصائم في ليل رمضان كل ما كان محرما عليه في نهاره من الأكل والشرب والجماع، وقد كان محرما عليهم في بداية فرض الصيام الجماع والأكل والشرب ليلا من بعد العشاء.
سبب نزول آية إباحة الطعام والجماع ليلا
عن البراء -رضي الله عنه- قال: كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا كان الرجل صائما، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي.
وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟.
قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه.
فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه الآية: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم).
ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)البخاري
وهذه الآية ناسخة لما كان في أول فرض الصيام حيث كان الصائم إذا نام بعد فطره يحرم عليه الأكل والشرب والجماع، فأباحت الآية كل ذلك من الليل في رمضان.
العلاقة بين الرجل وزوجته
قال الله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)
وصف الله الزوجة بأنها لباس لزوجها، والزوج بأنه لباس لزوجته، وهذا معناه أن ما يلبسه الإنسان ليستر به عورته ويمشي بسببه مطمئنا بين الناس،
وبدون هذه الملابس التي تستر عورته لا يستطيع السير بين الناس، ولا الاطمئنان ولا السكينة، كذلك شبه الله حال الزوجة بالنسبة لزوجها، وحال الزوج بالنسبة لزوجته، كل منهما ساتر لصاحبه وسكن له.
تخفيف الله عن العباد
قال الله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ)
كان في أول فرض الصيام محرما عليهم إتيان النساء من الليل في رمضان، لكن كان هناك أناس يراودون أنفسهم على مباشرة النساء ليلا، وعلى الأكل بعد النوم قبل الفجر، بل إن بعضهم قد فعل ذلك، فكان من رحمة الله أن أباح لهم أمر الجماع للنساء من الليل.
سبب إباحة الجماع ليلا في رمضان
عن البراء -رضي الله عنه- : (لما نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم)[البخاري]
إباحة الجماع ليلا في رمضان
قال الله: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)
أباح الله للصائمين في رمضان إتيان النساء ليلا، ونسخت هذه الآية الحكم السابق الذي كان يحرم إتيان النساء ليلا.
والأمر هنا للإباحة، فليس الأمر على سبيل الوجوب بأن يأتوا النساء، وإنما هو للإباحة، واطلبوا من وراء هذا الإتيان الذرية الصالحة والتعفف عن الحرام.
إباحة الأكل والشرب إلى طلوع الفجر
قال الله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)
وأباح الله للصائمين في رمضان الأكل والشرب حتى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر يمسك الصائم عن الأكل والشرب والجماع حتى غروب الشمس من وقت المغرب.
والمقصود من الخيط الأبيض هو أول ما يبدوا من الفجر الصادق، والمقصود من الخيط الأسود ما يمتد في بياض الفجر من ظلمة الليل.
عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما خيطان؟ قال: (إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين). ثم قال: (لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار)البخاري
النهي عن مباشرة النساء أثناء الاعتكاف
قال الله: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
لما أباح الله مباشرة النساء بلفظ العموم كان هذا العموم مظنة لأن يعتقد المعتكف أنه كالصائم يباح له مباشرة النساء، فاستثنى من هذه الإباحة المعتكف الذي انقطع للعبادة في المسجد مدة من الزمن.
وهذا الاعتكاف ليس فرضا وإنما هو نافلة من النوافل التي يتقرب بها الإنسان إلى الله.
ولا يكون هذا الاعتكاف إلا في المسجد بأن ينوي البقاء في المسجد مدة معينة ينقطع فيها لله ويتفرغ للعبادة.
حدود الله
قال الهل: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا)
تلك الأحكام التي وضعها الله لكم من الواجبات التي أوجبها عليكم من الصيام وتحريم الأكل والشرب والجماع نهارا، وإباحة ذلك ليلا هي الحدود التي وضعها الله لكم ولا يحل لكم مخالفتها
فلا تقربوها، وهذه مبالغة في النهي عن تجاوزها؛ لأن النهي عن القرب من الشيء نهي عن إتيانه من باب أولى.
وقد نهانا الله عن الاقتراب من حدوده في هذه الآية وفي النهي عن الفواحش فقال الله: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)
وفي النهي عن أكل مال اليتيم فقال الله: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)
وفي النهي عن الزنا فقال الله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).
وذلك لأن غريزة الجنس وغريزة حب المال من أقوى الغرائز التي تعصف بالإنسان إلا إذا جعل الإنسان بينه وبين هذه الغرائز الكثير من الحواجز حتى إذا هدم حاجز كان هناك آخر يمنعه من الانزلاق فيه.
تقوى الله
قال الله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187))
هذا البيان الجامع الذي بينه الله لكم من إيجاب الصيام عليكم وتحريم الأكل والشرب والجماع نهارا في رمضان، وإباحة ذلك في ليل رمضان بهذا البيان الواضح حتى لا يلتبس عليكم الحق والباطل ولتصونوا أنفسكم عن مخالفة أمر الله فتنجوا من العقوبة وتكونوا ممن عفا الله عنهم.