تفسير

التفسير الوجيز لأواخر سورة البقرة

في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة أشار الله إلى ما يجب الإيمان به، وإلى طبيعة التكاليف التي كلف الله بها عبادة، وإلى ما ينبغي أن يتضرع به العباد إلى الله.

إيمان الرسول والمؤمنون معه

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ

صدّق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما أنزله الله إليه من القرآن والوحي، وكذلك آمن المؤمنون معه إجمالا وتفصيلا.

وإيمان النبي -صلى الله عليه وسلم- مبني على الوحي والمشاهدة، وإيمان المؤمنين معه مبني على الحجة والبرهان، وتلك شهادة من الله لرسوله والمؤمنين معه يظهر منها شرف قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه وعلو قدرهم.

أركان الإيمان

كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ

كل من النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين معه آمن بوحدانية الله وقدرته، وآمنوا بالملائكة وكتب الله التي أنزلها على رسله،

وأمنوا برسل الله جميعا دون تفريق بينهم كما فعل اليهود والنصارى، فقد كفر اليهود بعيسى، وكفر النصارى بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

لكن الله أوجب على المسلمين الإيمان بجميع رسل الله دون تفريق بينهم، ومن أنكر واحدا من أنبياء الله كان كافرا بما أنزله الله على محمد -صلى الله عليه وسلم-.

لقد وضح الله لنا مسلك الكافرين، أنهم يفرقون بين رسل الله، فيؤمنون ببعضهم ويكفرون ببعضهم، وأما المؤمنون فإنهم لا يفرقون بين أحد منهم.

قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ ‌نُؤْمِنُ ‌بِبَعْضٍ ‌وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا

أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

صفة إيمان المؤمنين

وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)

حكى الله ما قاله المؤمنون هنا بما يدل على إيمانهم بأنهم امتثلوا واستجابوا وأطاعوا الله فيما كلفوا به طواعية واختيارا.

ولما كان الإنسان لا يخلوا من تقصير في حق الله طلبوا المغفرة من الله لما يقعون فيه من التقصير، فإليك يا ربنا المرجع والمصير لا إلى غيرك، وهذا إقرار منهم بالبعث بعد الموت وأنه لا يملك أمر الدنيا والآخرة إلا الله.

لا يكلف الله العباد بما فوق الطاقة

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا

جرت سنة الله مع العباد أنه لا يكلفهم إلا بما هو في حدود طاقتهم واستطاعتهم، فلو تأملنا في العبادات التي فرضها الله على العباد لوجدنا أن الله كلفنا بما هو أقل من طاقتنا.

بل قد وضع الرخص لأصحاب الأعذار الذين لا يقوون على القيام بالعبادة، فخفف عنهم حتى يكون أداء العبادة في حدود طاقتهم، فأباح للمريض الذي لا يقوى على الصلاة قائما أن يؤديها جالسا، فإن لم يستطع فعلى جنب.

وأباح لمن لازمه المرض بحيث لا يقوى على الصيام أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكين.

وهكذا في كل التكاليف التي كلف الله بها العباد حتى تكون في حدود الطاقة والاستطاعة.

ثواب الطاعة وعقاب المعصية

لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
والنفس لها ما كسبت من خير، وعليها ما اكتسبت من شر، وأرشد الله عباده إلى دعائه واسترحامه بأن يقولوا : ربنا لا تؤاخذنا إن تركنا فرضنا ونحن ناسون أو ارتكبنا محرما ونحن ناسون أو مخطئون أو عن جهل بالوجه الشرعي.

ربنا لا تكلفنا من الأعمال الشاقة كما كلفت بعضا من الأمم السالفة على سبيل العقاب لهم.

ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به من التكليف والمصائب والبلاء، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت ولينا ومولانا فانصرنا على القوم الذين كفروا بك وجحدوا دينك.

مواضيع ذات صلة