الصبر في اللغة معناه الحبس والمنع، ومعناه في الشرع هو من الأخلاق الفاضلة التي تمنع الإنسان من فعل القبيح، وارتكاب ما يجلب سخط الله على العبد.
أهمية الصبر
الصبر هو الزاد الذي يتزود به الإنسان لمواجهة مصاعب هذه الدنيا، وهو السلاح الذي يواجه به الابتلاءات.
وبدون الصبر يقع الإنسان في الضجر والسخط، ويعرض نفسه لغضب الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)[مسلم]
الصبر تحتاج له كل العبادات
في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء).
فهنا نجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصف الصلاة بأنها نور، ووصف الصبر بأنه ضياء، ومعلوم أن الضياء أقوى من النور؛ لأن الضياء يشتمل على النور والحرارة، لذلك وصف الله الشمس بأنها ضياء؛ لأن نورها من ذاتها.
ووصف الله القمر بأنه نور؛ لأنه يكتسب النور من غيره، فقال الله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا).
وهذا معناه أن الصلاة بالرغم من أهميتها فإن الإنسان لا يستطيع الاستمرار على أدائها إلا إذا تحلى بالصبر.
فإذا لم يكن عنده صبر فلن يستمر على أدائها، وهكذا كل عبادة من العبادات التي أمرنا الله بها لا يستطيع الإنسان الاستمرار على أدائها إلا إذا تسلح بسلاح الصبر.
لذلك قال علي -رضي الله عنه-: “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان”.
فضل الصبر
للصبر الكثير من الفضائل التي بينها الله لنا في كتابه، فهو من الأمور التي بين الله تعالى أنه يجازي عليها أصحابها بغير حساب.
فقال الله: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وبين الله أنه يحب الصابرين من عباده فقال: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، وذكر الله لنا أن معيته تكون للصابرين من عباده فقال: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أفضل عطاء يعطيه الله للإنسان أن يعطيه الصبر، فقال: (وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)البخاري
أنواع الصبر
للصبر أنواع ثلاثة : منها الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على النوازل.
الصبر على الطاعة
1 – الصبر على الطاعة: فكل طاعة أمرنا الله بها تحتاج منا للصبر حتى نستمر على أدائها، فالصلوات الخمس التي فرضها الله علينا في اليوم والليلة تحتاج منا أن نصبر على أدائها.
والصيام الذي فرضه الله علينا شهرا في العام يتطلب منا الصبر، وبدون الصبر فلن يستمر الإنسان على طاعة الله.
قال الله تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأمور).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (حفت الجنة بالمكاره)[مسلم]
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يواظب على قيام الليل حتى كانت تتفطر قدماه من طول القيام ويقول: أفلا أكون عبدا شكورا.
عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي حتى ترم، أو تنتفخ، قدماه، فيقال له، فيقول: (أفلا أكون عبدا شكورا)[البخاري]
الصبر عن المعصية
2 – الصبر عن المعصية: وهذا يتطلب من الإنسان أن يجاهد نفسه ويحارب هواه ويغالب شهواته، فإن هذه النار حفت بالشهوات.
قال الله: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وحفت النار بالشهوات)[مسلم]
وقد أثنى الله على الصابرين على ترك الشهوات فقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ).
الصبر على النوازل
3 – الصبر على النوازل: وهي حوادث الزمان ومصائبه، فهذه الدنيا لا تكاد تصفوا لأحد من الناس أبدا، فمنهم من يبتلى في نفسه، ومنهم من يبتلى في ماله، ومنهم من يبتلى في ولده.
قال الله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وقال الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
وهذه المصائب لم يستثنى منها أحد حتى الأنبياء فقد كانوا عليهم السلام أشد الناس بلاء وأكثر الناس صبرا وعبادة لله.
قال الله عن أيوب: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل الصابرين على الأذى الذي نزل بهم فقال: (ﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘﻠﻴﺖ ﻋﺒﺪﻱ ﺑﺤﺒﻴﺒﺘﻴﻪ ﺛﻢ ﺻﺒﺮ ﻋﻮﺿﺘﻪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﻋﻴﻨﻴﻪ)[البخاري]
وبين أيضا فضيلة الصابرين على أذى الناس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)[الترمذي]
فالمسلم مطلوب منه أن يوطن نفسه على الصبر على طاعة الله ويجاهد نفسه من أجل التمسك بهذا، فقال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)