تفسير

تفسير آيات فضل الشهداء من سورة آل عمران

تحدثت هذه الآيات من سورة آل عمران عن فضل الشهداء بعدما تكلم الكافرون والمنافقون عمن قتلوا، فكانوا ينأون بأنفسهم عن القتل ويحذرون غيرهم منه، فبين الله لهم ما أعده لهؤلاء الذين ماتوا مجاهدين في سبيله.

منزلة الشهداء عند الله

وَلَا ‌تَحْسَبَنَّ ‌الَّذِينَ ‌قُتِلُوا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

جاءت الآيات هنا لتبين فضل الشهداء عند الله، بعد أن سبق الكلام عن القتل الذي يحذره الكافرون والمنافقون ويخوفون الناس منه.

فليس القتل في سبيل الله من الأشياء التي يحذرها الإنسان ويتقيها، وإنما هو من أجلّ المطالب التي يتنافس المسلمون من أجل الوصول إليها.

فقال الله لهم: لا تظنوا ولا تقولوا أيها المؤمنون لمن يقتل من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه أنهم أموات، لا يحسون ولا يتنعمون.

وإنما هم أحياء يتنعمون في الجنة ويرزقون فيها، وينزلهم الله في جنته أعلى المنازل.

سبب نزول آية الشهداء

عن ‌مسروق قال: سألنا ‌عبد الله عن هذه الآية: (‌ولا ‌تحسبن ‌الذين ‌قتلوا ‌في ‌سبيل ‌الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال:

أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال:

هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا:

يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)[مسلم]

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لما ‌أصيب ‌إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش،

فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا، أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم)

قال: فأنزل الله: (وَلَا ‌تَحْسَبَنَّ ‌الَّذِينَ ‌قُتِلُوا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[أبو داود]

حياة الشهداء

حياة هؤلاء الشهداء هي حياة حقيقية بالروح والجسد كما قال السلف، ولكن لا نستطيع أن ندرك حقيقتها.

واستدلوا على ذلك بقول الله: (عند ربهم يرزقون) لأن الحياة الروحانية ليس من خواصها هذا الرزق، ولو كان النعيم للروح فقط فلا يكون هناك تمييز للشهداء عن غيرهم من أهل الجنة، وقد قيل أقوال غير ذلك.

الرد على الشامتين في موت المسلمين

هذه الآيات ترد على هؤلاء الذين شمتوا في موت المسلمين، وبينت لهم أن الموت في سبيل الله ليس فناء وإنما هو بقاء.

وأن الموت في سبيل الله هو اصطفاء من الله لمن أراد من عباده، قال الله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ ‌مِنْكُمْ ‌شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

فرح الشهداء واستبشارهم

فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)

بين الله ما فيه هؤلاء الشهداء من الفرع والسعادة والسرور بعد انتقالهم من دار الدنيا إلى دار النعيم المقيم والسعادة الدائمة التي لا تنغيص فيها.

ويستبشرون بما سيئول إليه حال إخوانهم المجاهدين الذين كانوا معهم، لكنهم لم يموتوا، يستبشرون بما سيكون عليه حالهم عندما يموتون في سبيل مجاهدين.

أنه لا خوف عليهم عندما يقدمون عليهم في الآخرة شهداء، ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم من الدنيا الفانية.

وهذا من شأنه أن يغرس الحماس في قلوب الأحياء من أجل يجتهدوا لينالوا منزلة الشهداء.

استبشار الشهداء بنعمة الله وفضله

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)

الاستبشار هو الخبر السار الذي يظهر أثره على البشرة، فأكد الله هنا استبشار الشهداء مرة ثانية بما يجدونه من نعمة الله وفضله في الآخرة.

ونعمة الله تكون في مقابل ما استحقوه بطاعتهم، وفضل الله يكون زيادة على ما استحقوه.

ويستبشرون بعدل الله ورحمته بهم بأن الله لا يضيع أجر أعمالهم وإنما يضاعف الله لهم أعمالهم فيجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثير لا يعلمها إلا الله.

موقف جرحى أحد

الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)

هذا كلام مستأنف بيبن الله فيه فضل المسلمين الذين أصيبوا في غزوة أحد وكانوا لا يزالون في جراحهم وآلامهم.

وقد نما إلى سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المشركين بعدما انتصروا على المسلمين في غزوة أحد وساروا في طريقهم إلى مكة أرادوا العودة إلى المدينة من أجل القضاء على المسلمين حتى لا تقوم لهم قائمة.

فندب النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين للخروج إليهم وذلك في غزوة حمراء الأسد، وكان المسلمون لا يزالون في جراحهم وآلامهم.

فاستجابوا لرسول الله طاعة لله وطاعة لرسوله، فهؤلاء هم المحسنون المتقون لهم من الله الأجر العظيم والثواب الجزيل.

حسبنا الله ونعم الوكيل

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)

لما علم أبو سفيان بما عزم عليه المسلمون من الخروج لهم يريدون مقاتلتهم وقع الرعب في قلوب المشركين فأرسلوا من يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين معه:

إن قريشا قد جمعت لكم جموعها، ولا يستطيع أحد أن يردهم عن مقصدهم، فما ازداد المسلمون إلا إيمانا بالله ويقينا، فأنهم لا يريدون إلا أحد الأمرين إما نصر وإما شهادة، فقالوا : الله كافينا وحافظنا ومتولي أمورنا فنعم الملجأ والنصير لمن توكل عليه.

فضل الله على المؤمنين

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)

لما ذهب المسلمون إلى حمراء الأسد لم يجدوا فيها أحدا من المشركين، ووجدوا فيها سوقا قائمة فاتجروا وربحوا ومكثوا بها ثمانية أيام، ثم عادوا منها بنعمة من الله وهي الثبات على الإيمان، فضل من الله وهو ما ربحوه من تجارتهم.

وحرصوا على فعل ما يرضي الله من الثبات على طاعته مهما كلفهم الأمر حتى لو كان الثمن حياتهم، والله يخص من لازم طاعته بفضل عظيم منه.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة