الشهيد معناه في اللغة الحاضر، والشهيد اسم من أسماء الله تعالى، والشهيد هو من قتل في سبيل الله وهو يقاتل أعداء الله، وسمي شهيدا لأن الله وملائكته شهدوا له بالجنة.
منزلة الشهداء عند الله
للشهداء منزلة عالية عند الله يوم القيامة، فالموت في سبيل الله هو أشرف الموت، فقد قال الله في كتابه وهو يبين منزلة الشهداء :
(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّهِ أَمْوَاتًا بَل أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل،
فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات،
فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا).
الشهداء باعوا الدنيا
بين الله تعالى أن هؤلاء الشهداء الذين قتلوا في سبيل هم الذين باعوا الدنيا واشتروا الآخرة، فضحوا بأرواحهم وأموالهم من أجل أن ينالوا الأجر العظيم من الله.
قال الله: (فَلْيُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآْخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّهِ فَيُقْتَل أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة)[البخاري]
ما أعده الله للشهداء
أعد الله للشهداء الكثير من الفضل والتكريم، حيث فضلهم الله على غيرهم من أهل الموتات الأخرى.
عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (للشهيد عند الله ست خصال:
يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)[الترمذي]
ريح دم الشهداء
يأتي الشهيد يوم القيامة بهيئته التي مات عليها، فيلقى الله بجرحه ولون دمه، لكن ريح دمه يكون كريح المسك؛ تكريما له، وليكون هذا الجرح وهذا الدم شاهدا عليه.
عن أبي هريرة -ري الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون دم، والريح ريح مسك)[مسلم]
منزلة والد جابر بن عبد الله
لما استشهد عبد الله بن حرام والد جابر في غزوة أحد، كان جابر مهموما لموت والده، وللمسئولية الملقاة على عاتقه تجاه أخواته، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاله بشره بما صار إليه حال أبيه من المنزلة التي أكرمه الله بها.
عن جابر بن عبد الله، قال: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: (يا جابر ما لي أراك منكسرا؟)
قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا ودينا، قال: (أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك)؟ قال: بلى يا رسول الله.
قال: (ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا. فقال: يا عبدي تمن علي أعطك.
قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون) قال: وأنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا)[الترمذي]
شفاعة الشهداء
من تكريم الله للشهداء أنه يقبل شفاعتهم في سبعين من أهليهم.
عن نِمْرانُ بن عتبةَ الذِّماريُّ، قال: دخلْنا على أُم الدَرداء ونحن أيتامٌ، فقالت: أبشِروا فإني سمعتُ أبا الدَرداء يقول: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم-: (يَشفعُ الشهيدُ في سبعينَ من أهلِ بيتهِ)[أبو داود]
كلمة الحق نوع من الجهاد
من الجهاد الذي يرفع الله صاحبه عنده درجات قول الحق في السراء والضراء أمام سلطان جائر أو أمام قوم جائرين.
عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل عند الجمرة الأولى، فقال:
يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية، سأله، فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة، وضع رجله في الغرز ليركب،
قال: (أين السائل؟) قال: أنا، يا رسول الله قال: (كلمة حق عند ذي سلطان جائر)[ابن ماجه]
وعن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)[البخاري]