عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك قال: (قل آمنت بالله فاستقم)[مسلم]
من هو سفيان بن عبد الله
هو سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي الطائفي، له صحبة ورواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان عاملا لعمر بن الخطاب على الطائف استعمله عمر عندما عزل عثمان بن أبي العاص.
حرص الصحابة على التعلم
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- عندهم اهتمام خاص بالتعلم من النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل أن يتعلموا الخير فينتفعوا به في أنفسهم، ويعلموه للناس فينفعوا به غيرهم.
عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: “لا يزال الناس بخيرٍ ما بقي الأوَّل حتى يتعلَّم الآخر، فإذا هلك الأوَّلُ قبل أن يتعلَّم الآخرُ هلك الناس”.
شرح حديث قل آمنت بالله
طلب سفيان بن عبد الله من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه شيئا يغنيه عن سؤال غيره، فعلمه رسول الله هذا القول الجامع بأن قال له:
قل آمنت بالله ثم استقم. وهذه الوصية التي وصاه بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأكيد لما وصى الله به عباده في القرآن حيث قال الله:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
وقال الله: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فتلك هي صفات أهل الجنة يعرفون الله أولا، ثم يؤمنون بأنه هو المعبود بحق فلا يعبد سواه، والذي يجب أن يطاع فلا طاعة لغيره، ثم يستقيموا على هذا الإيمان فلا يشركوا معه غيره.
فهذا الكلام من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، حيث جمع في هاتين الكلمتين معاني الإيمان والإسلام،
حيث أمره أن يجدد إيمانه بلسانه متذكرا بقلبه، وأمره أن يستقيم على أعمال الطاعات والانتهاء عن جميع المخالفات، فلا يمكن أن تكون هناك استقامة مع تلك المخالفات.
قال أبو القاسم القشيرى رحمه الله تعالى: “الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها ومن لم يكن مستقيماً في حال سعيه ضاع سعيه وخاب جده”
وقيل: الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق ولذلك قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: “استقيموا ولن تحصوا”.
الإيمان يدخل فيه العمل
الإيمان بالله يدخل فيه الأعمال الصالحة، فقد أمر الله عباده بالاستقامة على الإيمان به، وألا يتجاوزا حدود ما أمرهم الله به لأن هذا هو الطغيان.
فقال الله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقال الله: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ).
إقامة الدين من الاستقامة
من الاستقامة التي أمر الله بها عباده إقامة دين الله، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وترك النزاع والخلاف لأنه سبيل الهلاك.
قال الله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
الاستقامة قدر الاستطاعة
قد يعجز البعض فلا يستطيعون أداء حق الاستقامة، فإذا عجزوا عن ذلك كان واجبا على المرء أن يبذل طاقته وأن يؤدي قدر استطاعته.
عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)[ابن ماجه]
والمعنى: استقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا ولن تطيقوا أداء الاستقامة على وجهها الكامل.
سددوا وقاربوا
السداد هو حقيقة الاستقامة وهو إصابة عين الحق في الأقوال والأفعال، فإن لم يقدر الإنسان على السداد بإصابة عين الهدف، فليقارب إصابة الهدف بشرط أن يكون عازما على إصابة عين الحق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سددوا وقاربوا).
استقامة القلب
من أراد الاستقامة فعليه أولا باستقامة القلب؛ لأن القلب هو العضو الذي يتحكم في عمل كل الجوارح وعلى أساسه تقبل كل الأعمال أو ترد.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهي القلب)[البخاري]
ولأن كل عمل مقرون بنيته فإذا توجهت النية لله كان العمل مقبولا، وإذا توجهت لغير الله كان العمل مردودا.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما جاهر إليه)[البخاري]
استقامة اللسان
يجب على المسلم الذي استقام قلبه على الإيمان أن يستقيم لسانه؛ لأن اللسان هو ترجمان القلب والمعبر عما فيه، لذلك يقولون الألسنة مغارف القلب وإن ما يظهر على اللسان بعض مما يحمله القلب، لأجل ذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باستقامة اللسان.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا)[الترمذي]
للاطلاع على المزيد: