عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته)[مسلم]
كتب الله الإحسان على كل شيء
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
لفظة كتب تأتي بمعنى الوجوب، فإذا قلنا: كتب الله، يكون المعنى أوجب الله، وقد ورد هذا في القرآن في أكثر من موضع فقال الله:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، وقال الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وقد تأتي لفظة الكتابة بمعنى ما هو مقدر وواقع لا محالة، كما في قول الله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
ومعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء).
قد يراد به أن الله كتب على كل مخلوق الإحسان بمعنى أوجب على كل مخلوق أن يحسن لغيره.
وقد يكون المعنى أن الله كتب الإحسان في الولاية على كل شيء، فيكون المكتوب هو الإحسان، والمحسن إليه غير مذكور.
وجوب الإحسان
نص هذا الحديث على وجوب الإحسان في كل شيء، فالإحسان مما أمر الله به عباده وقرنه بالعدل فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ).
وأوجب الله تعالى علينا الإحسان للوالدين وللأقارب وأصحاب الحاجات من الفقراء والمساكين، وأوجب علينا أن نقول للناس قولا حسنا لينا، فقال:
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)
وأمر الله بالإحسان في آيات أخرى لهؤلاء الذين تقدم ذكرهم وزاد عليهم آخرين منهم الجيران وابن السبيل الذي انقطعت به السبل والإحسان لمن ولانا الله أمرهم، من الخدم والعبيد ومن على شاكلتهم فقال الله:
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).
وهذا الإحسان في معاملة الخلق يكون بالقيام بما أوجبه الله على الإنسان يجاه الآخرين.
الإحسان في القتل
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)
من الأمور التي أوجبها الله على الخلق الإحسان في قتل الأشياء التي تستوجب القتل، بأن نزهق تلك الأنفس بسرعة حتى لا نزيد من ألمها وعذابها.
والقتلة بكسر القاف يراد بها هيئة القتل، لذلك أمر الله بقتل الكفار الذين استوجبوا القتل بسبب حرابتهم بأن نضربهم فوق الرقاب بمعنى أن نضرب ما فوق العظام وما تحت الجمجمة، لأن هذا أسهل على المقتول.
قال الله: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ)، وقال: (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ).
النهي عن اتخاذ البهائم غرضا
نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ شيء مما فيه الروح غرضا أي هدفا للتصويب نحوه وهو حي؛ لأن هذا فيه تعذيب وإيلام.
دخل أنس بن مالك دار الحكم بن أيوب. فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها. قال فقال أنس: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تصبر البهائم)[مسلم]
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا)[مسلم] أي لا تتخذوا الحيوان الحي هدفا ترمون إليه، كالهدف المصنوع من الجلد أو الحجر.
حرمة المثلة
من الأمور التي حرمها الله على العباد المثلة بالمقتول، بأن نقطع في أعضائه بعد قتله وامتهانه، فعن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: (نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النهبى والمثلة)[البخاري]
والنهبى: هي أخذ الشيء من أحد عيانا وقهرا، والمثلة: هي تقطيع الأعضاء كالأنف والأذن والعين وغيرها.
وهذا النهي عن المثلة ليس خاصا بالإنسان وإنما هو محرم بالنسبة لكل ذي روح، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من مثل بذي روح، ثم لم يتب مثل الله به يوم القيامة)[أحمد]
هل يمثل بالقاتل إن كان مثل بالمتقول؟
اختلف العلماء في التمثيل بالقاتل إن كان قد مثل بالمقتول، فذهب فريق من العلماء بأنه لا يمثل به وإنما يقتل بالسيف؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا قود إلا بالسيف) وهو حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه.
وذهب البعض من العلماء إلى جواز المثلة إن كان قد مثل بالمقتول، واستدلوا على ذلك بحديث أنس بن مالك قال:
خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال: فرماها يهودي بحجر، قال: فجيء بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق.
فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فلان قتلك). فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: (فلان قتلك). فرفعت رأسها،
فقال لها في الثالثة: (فلان قتلك). فخفضت رأسها، فدعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقتله بين الحجرين)[البخاري]
وعن أنس قال: قدم أناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا.
فلما صحوا، قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم.
فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة، يستسقون فلا يسقون. قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله)[البخاري]
الإحسان في الذبح
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته)
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان عند الذبح ومن الإحسان في الذبح أن يحد الذابح سكينه حتى تعجل بإنهاء الأمر فلا يكون هناك تعذيب للحيوان بسبب الشفرة غير الحادة.
وألا يباغت البهيمة بجرها من موضع لموضع آخر، ولا يصرعها فجأة، وأن يقوم بتوجيهها للقبلة وأن يسمى الله عليها.
ويقطع الحلقوم والودجين ويتركهما إلى أن تبرد وتستريح وتخرج الروح منها بألا يقوم بسلخها قبل خروج الروح منها.
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أتريد أن تميتها موتات هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها)[المستدرك]
للاطلاع على المزيد: