حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحري الحلال في المطعم والمشرب والملبس، وبين أن من أراد أن يكون مستجاب الدعاء فعليه بالاعتناء بالحلال وترك الحرام.
إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم).
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)[مسلم]
معنى إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
قال -صلى الله عليه وسلم-: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)
الطيب هو الطاهر، والمعنى أن الله وجب له التقديس والتنزيه، ووجب له كل كمال يليق بذاته المقدسه، وانتفى عنه كل عيب.
ولأن الله طيب فلا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبا، والطيب هو الحلال التي لا تشوبه شبهة حرام، سواء كان هذا في الأقوال أو الأعمال أو الاعتقادات.
فالقول منه خبيث وطيب ولا يقبل الله إلا القول الطيب، قال الله:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)
ولا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان خالصا له، فالعمل الذي يعمله صاحبه رياء لا يكون عملا طيبا ويكون مردودا على صاحبه.
عن أبي أمامة الباهلي قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ماله؟
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا شيء له) فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا شيء له) ثم قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغي به وجهه)[النسائي]
ولا يقبل الله الصدقة إلا إذا كانت من مال حلال، أما الصدقة من مال حرام فهي مردودة على صاحبها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب،
وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل)[البخاري]
وصف المؤمن بالطيب
وصف الله المؤمن بالطيب في قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ).
ووصفت الملائكة نفس المؤمن بالنفس الطيبة، كما في حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحا، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب…)[ابن ماجه]
فالمؤمن كله طيب، فعمله طيب ومطعمه ومشربه طيب، ولا ينمو عند الله إلا الطيب.
أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين
قال -صلى الله عليه وسلم-: (وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم).
أمر الله الرسل بما أمر به عباده المؤمنين، فالرسل مأمورون بتبليغ الرسالة وبالعمل بما فيها قبل أقوامهم ليكونوا قدوة لهم.
فما أمر الله به عباده المؤمنين أمر به أولا المرسلين، حيث أمر الرسل بأكل الطيبات وعمل الصالحات، وكذلك أمر المؤمنين بأكل الطيبات وعمل الصالحات.
وما نهى الله عنه عباده المؤمنين نهى عنه أنبيائه ورسله، فقد بين الله أن الشرك من محبطات الأعمال فقال الله عن الرسل: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وقال الله للمؤمنين: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا).
موانع استجابة الدعاء
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- حال الرجل الذي اشتمل على كل الصفات التي تجعله مستجاب الدعاء.
فهو في سفر طويل قد انقطع عن الأهل واستأنس بربه، وأصابه غبار السفر يمد يديه إلى السماء لأنها قبلة الدعاء.
فهذا من الأسباب التي تقتضي استجابة الدعاء،
عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم)[أبو داود]
لكنه مع كل هذا قد فقد أهم ركن من أركان استجابة الدعاء وهو طيب المطعم والمشرب والملبس، فكيف يستجاب دعاؤه وهو متلبس بالحرام في مطعمه ومشربه وملبسه.
وقوله: (مطعمه حرام). يشير إلى أنه تلبس بالحرام في حال كبره، وقوله: (وغذي بالحرام). أنه كان متلبسا بالحرام في حال صغره فهو مُصرّ على الحرام فهذه أمور تدل على استحقاق الداعي عدم استجابة الدعاء.
ما يستفاد من حديث إن الله طيب
يستفاد من هذا الحديث مجموعة من الأحكام منها:
إن الله لا يقبل العمل من صاحبه مع مباشرته للحرام.
لا يقبل الله صلاة من أتى كاهنا فصدقه أو من شرب الخمر أربعين يوما، فعن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)
قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: (صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)[أبو داود]
من حج بمال حرام لا يقبل الله حجة ولا تسقط عنه فريضة الحج.
والصدقة بالمال الحرام غير مقبولة من صاحبها، عن مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال:
ألا تدعو الله لي يا ابن عمر، قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)، وكنت على البصرة.[مسلم]