عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)[البخاري]
تعريف بجرير بن عبد الله البجلي
هو جرير بن عبد الله بن جابر البجلي، وهو سيد قبيلة بجيلة، كان إسلامه في العام الذي توفي فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: أسلمت قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يوما.
وقال جرير -رضي الله عنه-: ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك وتبسم.
وقد مدحه رسول الله لما أقبل وافدا عليه فقال: (يطلع عليكم خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير وبعثه رسول الله إلى ذي كلاع وذي رعين باليمن).
وفي أواخر حياته نزل الكوفة وسكن بها ثم تحول إلى قرقيسياء زمن معاوية، وتوفي سنة أربع وخمسين.
المبايعة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة
قال جرير: (بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،..)
بايع جرير النبي -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ لأنها من أول أركان الإسلام بعد النطق بالشهادتين.
واقتصر عليهما دون غيرهما؛ لأنهما أصل العبادات البدينة والمالية.
أخوة الدين
أخوة الدين تتحقق بالنطق بالشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فمن لم يقم بذلك فليست له أخوة الدين.
وهذا الحديث فيه حجة لأبي بكر -رضي الله عنه- لما عزم على قتل أهل الردة الذين منعوا الزكاة.
النصح لكل مسلم
ذكر جرير أن مما بايع عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (والنصح لكل مسلم)
وهذا أمر بالتحاب والتواد بين المسلمين؛ لأن النصيحة تقتضي المحبة وهذا يتوافق مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[البخاري]
وهذا يستلزم حرمة غش المسلم لأخيه المسلم، فإن كان الغش حراما مع الجميع، لكنه يزددا حرمة مع المسلم.
النصح للمسلمين عامة
أرشدنا الإسلام إلى وجوب نصح المسلم لكل المسلمين، والوقوف معه في ضائقته بزيارته إذا كان مريضا، أو اتباع جنازته، أو إجابة دعوته.
وذلك كما في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).
ومن نصح المسلم للمسلم أن يقدم له النصيحة التي تنفعه وتمنع عنه المضرة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فلينصح له)[البخاري]
النصح لولاة الأمور
ينبغي على الرعية أن تعين الراعي على إقامة شرع الله، وتحقيق العدل بين الناس، وذلك بتقديم النصيحة له.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا،
وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)[مسلم]
نصح ولي الأمر لرعيته
كما ينبغي على الرعية أن تنصح لراعي كذلك ينبغي على الراعي أن يكون حريصا على رعيته بأن يحملهم على ما يقربهم إلى الله وما يصلح دنياهم وأخراهم.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة)[البخاري]
معنى النصيحة
تأتي النصيحة بمعنى الدين؛ فعن تميم الداري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)[مسلم] وهذا يعني أن النصيحة تشمل أقسام الدين المتضمنة للإيمان والإسلام والإحسان وهو ما ورد في حديث جبريل المشهور حيث سأل النبي -صلى الله عليه سلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان، ويطلق على كل هذه الأقسام لفظ الدين؛ لأن الله تعالى قال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
النصح لله
النصح لله هو صحة الاعتقاد بواحدانية الله وإخلاص النية في عبادته، وهذا يقتضي القيام بأداء الواجبات على أكمل وجوهها وهذا هو مقام الإحسان.
النصح للكتاب
ويكون النصح للكتاب بالإيمان بالقرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- والعمل بما فيه.
النصح لرسول الله
والنصح لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون بالإيمان به، والتصديق بما جاء مبلغا به عن الله، وطاعته فيما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه.
النصيحة المفروضة
إذا عجز الإنسان عن إقامة الفرض بنفسه لمرض حل به، أو مانع منعه، وجب عليه أن يبذل كل ما يطيقه من أجل إقامة الفرض الذي عجز عنه، كما في قول الله:
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)
فهؤلاء قوم عجزوا عن الجهاد بأنفسهم لمانع منعهم، لكنهم قاموا بالواجب الذي عليهم فنصحوا لله ولرسوله فسماهم الله محسنين.