شرح حديث الحلال بين والحرام بين
الحلال البين هو ما نص الله على حله، والحرام البين هو ما نص الله على حرمته، والأمور المشتبهه هي التي لم يتبين حلها ولا حرمتها.
حديث الحلال بين والحرام بين
عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس،
فمن اتقى المشبها استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه،
ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[البخاري]
معنى الحلال البين
الحلا البين هو ما نص الله ورسوله على تحليله، فقد نص الله في الكثير من المواضع على حل بعض الأشياء كقول الله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ).
وقال الله: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقال الله: (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)
وقال: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا).
معنى الحرام البين
هو ما نص الله على تحريمه في كتابه، وما نص عليه رسوله في سنته، وقد نص الله على تحريم أمور منها:
قال الله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وقال الله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).
وقال الله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
ما الأمور المشتبهه
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس)
فهناك أمور لا يتبين حلها ولا حرمتها، وإنما تتنازع فيها الأدلة، ويشتبه أمرها على كثير من الناس، فلا يدرون أهي من الحلال أم من الحرام.
لكن هناك من الناس من يهتدي لوجه الصواب فيها فيقطع بحلها أو حرمتها بناء على ما وقف عليه من الأدلة فليزمه أن يلتزم بما هداه إليه اجتهاده، وهؤلاء هم الراسخون في العلم.
ومثل هذه الأمور المشتبه أمرها يجب الرجوع فيها للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله أوكل لنبيه مهمة البيان والتوضيح لما جاء في القرآن فقال الله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
معنى اتقاء الشبهات
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فمن اتقى المشبها استبرأ لدينه وعرضه)
الأورع للإنسان إذا اشتبه عليه أمر من الأمور ولم يدر أمن الحلال هو أم من الحرام أن يحتاط لنفسه ويجعله من الحرام.
فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتبه عليه أمر أخذ بالأحوط لنفسه وتركه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(والله إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي، أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة، أو من الصدقة فألقيها)[مسلم]
فمن فعل ذلك فقد طلب البراءة لدينه وعرضه من النقص والعيب.
والعرض هو موضع المدح والذم من الإنسان، فمن اتقى هذه الشبهات يكون قد حصن عرضه من القدح، ومن ارتكب الشبهات يكون قد عرض نفسه للذم.
فطلب البراءة للعرض أمر محمود ينبغي للإنسان أن يحرص عليه، فعن علي بن الحسين: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وعنده أزواجه فرحن.
فقال لصفية بنت حيي: (لا تعجلي حتى أنصرف معك). وكان بيتها في دار أسامة،
فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- معها، فلقيه رجلان من الأنصار، فنظرا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أجازا،
وقال لهما النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تعاليا، إنها صفية بنت حيي). قالا: سبحان الله يا رسول الله،
قال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا)[البخاري]
ضرب المثل لحال من وقع في الشبهات
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه)
ومن وقع في هذه الأمور المشتبه أمرها والتي لم يتبين حالها أهي من الحلال أم من الحرام، يكون حاله كحال الراعي الذي يرعى حول حمى الملك.
فقد كان لكل ملك موضع من الأرض يقع تحت سلطانه ويمنع الناس من الاقتراب منه، فكان من الواجب على كل راع يرعى غنمه أن يبتعد عن حمى هذا الملك؛ لأنه إذا اقترب من حمى الملك وانفلتت منه دابته ورعت في حمى الملك عرض نفسه للعقاب.
وهذا مثل ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل من يقترب من محارم الله فهي حمى الله أي الأمور التي منع عباده من الاقتراب منها، فإذا لم يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزا من المباح وقع فيها.
قال الحسن: “ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام”.
لذلك نجد أن الله نهانا عن الاقتراب من تلك المحارم فقال الله: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
وبين الله لنا الحرام والحلال وأمرنا ألا نقترب من الحرام وألا نتعدى الحلال فقال الله: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
القلب ملك الأعضاء
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)
أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن صلاح عمل الجوارح متعلق بصلاح هذا القلب الذي يشبه قطعة اللحم الصغيرة،
فإذا صلح توجه هذا القلب إلى الله صلحت أعمال الجوارح، وإذا فسد القلب بأن توجه لغير الله فسدت أعمال الجوارح وكان هذا العمل مردودا على صاحبه،
فهذا القلب هو ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنود له، فبصلاح الملك تصلح الرعية، وبفساد الملك تفسد الرعية،
ولا ينفع الإنسان عند الله إلا قلبه السليم الخالي من الكفر والشك والنفاق، قال الله: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: (أسألك قلبا سليما)[أحمد]
للاطلاع على المزيد:
- شرح حديث الطهور شطر الإيمان
- شرح حديث اجتنبوا السبع الموبقات
- شرح حديث من سلك طريقا يلتمس فيه علما
- شرح حديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل