إن الطرق التي توصل إلى الجنة طرق كثيرة لكن من أعظم هذه الطرق هو طريق العلم وهو أفضل الطرق؛ لأن صحة العمل متوقفة على العلم الصحيح.
من سلك طريقا يلتمس فيه علما
عن كثير بن قيس، قال: كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء،
إني جئتك من مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحديث بلغني أنك تحدثه، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ما جئت لحاجة.
قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله عز وجل به طريقا من طرق الجنة،
وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء،
وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر). [أبو داود]
العلم طريق من طرق الجنة
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله عز وجل به طريقا من طرق الجنة)
هنا يبين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضل طلب العلم، وأنه من الطرق التي يرضى الله عنها وهي من طرق الجنة،
وهذا معناه أن الطرق الموصلة للجنة كثيرة منها طريق طلب العلم، بل هو من أقرب الطرق الموصلة للجنة؛ لأن صحة العمل متوقفة على العلم،
من أجل ذلك كان العالم مفضلا على العابد، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- العلم مطلقا ليشمل كل علم ينتفع الناس به سواء كان من علوم الدنيا أم من علوم الآخرة.
رضا الملائكة عن عمل طالب العلم
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم)
إن الملائكة لتضع أجنحتها وتفرشها لطالب العلم رضا بصنيع طالب العلم أو تواضعا لطالب العلم، وقيل: المراد بوضع الأجنحة التواضع ولين الجانب منها لطالب العلم.
العالم يستغفر له من في السماوات والأرض
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء)
فكل مخلوق من أهل السماوات والأرض مستفيد وله مصلحة معقودة بالعلم من أجل ذلك يستغفر للعالم حتى الحيتان التي في الماء تدعوا لأهل العلم بالخير وتستغفر لهم؛ لأن نفع العلم واصل لها.
استغفار الملائكة لأهل العلم
أهل السماوات وهم الملائكة يستغفرون لأهل العلم، وهذا يؤكده الحديث الذي معنا، ويزيد التأكيد قول الله تعالى:
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا).
ماذا يستفيد الملائكة من أهل العلم؟
والسؤال هنا ما هو النفع الذي يصل للملائكة من أهل العلم، والجواب على ذلك كما يلي:
يزيل أهل العلم الباطل والتصور الخاطئ عن الملائكة على حسب ما تعلموه من القرآن والسنة، فقد قال الكفار ليس لله ملائكة.
وقال بعض الكفار عن الملائكة إنهم بنات الله، فقال الله عنهم:
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) وقال الله: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ )
ومنهم من كان يعبد الملائكة ويتأذون بذلك لأنهم جعلوهم شركاء لله فقال الله: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
وقال الله: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ).
أما أهل العلم فإنهم يصححون للناس خطأهم ويبينون للناس أن الملائكة هم عباد مطيعون لله لا يعصون أمره فقال الله:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
وأما نفع أهل العلم لأهل الأرض من الإنس والجن فإنه يكون فيه خلاصهم من النار إذا أطاعوا الله ورسوله.
فضل العالم على العابد
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضيلة العالم على العابد؛ لأن وجود فقيه واحد أشد وأبغض للشيطان من ألف عابد؛ ولأن الفقيه عدو للشيطان، فالشيطان يدعوا الناس للكفر، والفقيه يدعوا الناس للإيمان.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (لفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد).
وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر وهي ليلة الرابع عشر من الشهر ونور القمر يكون في تلك الليلة أشد من نوره في بقية الشهر،
فبقدر التفاوت بين نور القمر في تلك الليلة ونور بقية الكواكب يكون التفاوت بين العالم والعابد.
عن أبي أمامة الباهلي، قال: ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)[الترمذي]
العلماء ورثة الأنبياء
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)
كما يرث الأبناء والزوجة من الرجل إذا مات فإن الميراث الذي يأخذه العلماء من الأنبياء هو العلم الذي تعلموه منهم ونقلوه عنهم،
ومحبة الأنبياء للعلماء أكثر من محبة الآباء للأبناء؛ لأن النفع الذي يصل للأنبياء من العلماء بسبب العلم الذي يعلموه للناس أكثر من النفع الذي يصل للآباء من الأبناء.
فمن أخذ حظه من هذا العلم عن الأنبياء يكون قد أخذ النصيب الوافر الكامل.
للاطلاع على المزيد: