شرح حديث سددوا وقاربوا وأبشروا
أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحرص على إصابة الحق، فإن نصب الحق فلنقترب منه، وأن نداوم على العمل حتى ولو كان قليلا فقليل دائم خير من كثير منقطع.
حديث سددوا وقاربوا
عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل)[البخاري] وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله). قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)[البخاري]
سددوا وقاربوا وأبشروا
التسديد معناه التصويب، من تصويب السهم نحو الهدف، والمعنى كونوا حريصين على إصابة الحق، وإصابة الحق تكون بالحرص على متابعة ما أمر الله والنبي -صلى الله عليه وسلم- به، واجتناب ما نهى الله ورسوله عنه.
وقاربوا: أي إن لم تقدروا على إصابة عين الحق وإن تستطيعوا أن تبلغوا حقيقة البر، فحاولوا ان تقتربوا من الحق، وهذا كما في قول الله تعالى: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
وقيل السداد معناه القصد والتوسط في العبادة فلا غلو بتحميل النفس ما لا تطيق ولا تقصير بالتهاون فيما أمر الله به، فإن لم يصب الإنسان الحق فليقترب منه، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)[البخاري]
وأبشروا: أي أبشورا بالثواب على العمل حتى ولو كان العمل قليلا.
القصد في العبادة
أوصانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكثير من الأحاديث بألا نغالي في العبادة بتحميل النفس فوق طاقتها؛ لئلا يفقد الإنسان استمراره على العمل، فالقليل الذي يداوم عليه الإنسان خير من الكثير المنقطع.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق)[أحمد]
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: غداة العقبة وهو على ناقته (القط لي حصى) فلقطت له سبع حصيات، هن حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: (أمثال هؤلاء، فارموا)
ثم قال: (يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)[ابن ماجه]
وقال الحسن: “نفوسكم مطاياكم؛ فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم -عز وجل-“.
دخول الجنة برحمة الله
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله)
إن الثواب الذي يعطيه الله للإنسان على طاعته له إنما هو محض فضل من الله عليه، وانتقام الله ممن عصاه إنما هو بمقتضى عدل الله،
وهذا العمل الذي يعمله الإنسان لا يستحق هذا الثواب العظيم من الله خاصة وأن الله لا ينتفع بشيء من وراء هذا العمل، فالله غني عن عباده.
وقد ورد هذا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن ينجي أحدا منكم عمله). قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشئ من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا)[البخاري]
وأما قول الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولا أنت يا رسول الله…) لظنهم أن هذا الكلام في حقهم لتقصيرهم في حق الله لكن لعظيم قدر النبي ومعرفته بحق الله عليه ظنوا أنه مستثنى من هذا الأمر، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واحد منهم.
قول النبي : (إلا أن يتغمدني الله برحمته) يتغمدني مأخوذة من غمد السيف إذا وضع فيه السيف والمقصود إلا أن يلبسني الله ويسترني برحمته.
هل دخول الجنة برحمة الله أم بالعمل؟
بين الحديث أن الإنسان لا يدخل الجنة بعمله وغنما يدخل الجنة برحمة الله وفضله، لكن ورد في القرآن أن دخول الجنة إنما يكون بالعمل كما في قول الله:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ولا تعارض هنا بين الحديث والآية فإن الحديث يحمل معناه على أنه لا يستحق أحد الجنة بمجرد العمل وغنما لناس يدخلون برحمة الله.
واما الآية فأخبر الله فيها أن الإنسان ينال المنزلة في الجنة بعد دخولها بالأعمال فالناس في الجنة درجات.
المداومة على العمل
قال النبي : (وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل)
حض النبي صلى الله عليه وسلم الأمة على المداومة في العمل لأن القليل مع الاستمرار خير من الكثير مع الانقطاع، فقد كان النبي ينهى عن المغالاة في العبادة
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: دخل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: (ما هذا الحبل).
قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا، حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)[البخاري]
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت عندي امرأة منن بني أسد، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (من هذه).
قلت: فلانة، لا تنام بالليل، تذكر صلاتها، فقال: (مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا)[البخاري]
ما يستفاد من حديث سددوا وقاربوا
يستفاد من الحديث أن نحرص على إصابة الحق فإن لم نستطع إصابته فلنقترب منه، وأن نستمر على العمل حتى ولو كان قليلا،
وأن نعلم أن الله لا يجب عليه شيء؛ لأن الكون كله بما فيه ملك لله، فلا يجب عليه ثواب، ولا عقاب، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار بعدله.
للاطلاع على المزيد:
- شرح حديث الطهور شطر الإيمان
- شرح حديث اجتنبوا السبع الموبقات
- شرح حديث من سلك طريقا يلتمس فيه علما
- شرح حديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل