النية المصاحبة للعمل هي التي على أساسها يكون الجزاء، فإن صلحت النية وتوجهت لله كان صاحب العمل مأجورا، وإذا توجهت النية لغير الله كان صاحب العمل مأزورا وعمله مردود عليه.
حديث إنما الأعمال بالنيات
روى البخاري في صحيحه حديث إنما الأعمال بالنيات عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)
ورد عند البخاري بصيغة أخرى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)
أهمية حديث إنما الأعمال بالنيات
هذا الحديث هو أحد الأحاديث التي يدور عليها الإسلام فقد قال جماعة من العلماء: هذا الحديث يمثل ثلث الإسلام . وقال الإمام الشافعي : هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه.
وعن الإمام أحمد قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: (إنما الأعمال بالنيات)
وحديث عائشة: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
وحديث النعمان بن بشير: (الحلال بين والحرام بين)
وقال الحاكم: حدثونا عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه أنه ذكر قوله عليه الصلاة والسلام: (الأعمال بالنيات)
وقوله: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما)
وقوله: (من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد) فقال: ينبغي أن يبدأ بهذه الأحاديث في كل تصنيف، فإنها أصول الأحاديث.
إنما الأعمال بالنيات أول حديث في البخاري
صدر الإما البخاري صحيحه بحديث: (إنما الأعمال بالنيات) ليبين المقصد الذي من أجله وضع هذا الكتاب، وليكون هذا الحديث كالتنبيه لكل من يقصد قراءة هذا الكتاب أن يقصد به وجه الله تعالى كما قصد مؤلفه.
وليكون إشارة إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو عمل باطل مردود على صاحبه، ومثل هذا العمل الذي يقصد به غير الله كمثل الشجرة التي لا تعطي ثمرا، ولا تمد الناس بظل، فقطعها أولى من بقائها.
إنما الأعمال بالنيات
النية معناها القصد أي هي التي تميز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده، أم المقصود به الله مع غيره، أم المقصود به غير الله،
والنية قد يعبر عنها بلفظ الإرادة كما في قول الله: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وقال: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).
فهذه النية هي التي تفرق بين الأعمال التي تكون لله والتي تكون لغير الله، فهي التي تميز بين العادات والعبادات، فهناك من يمسك عن الطعام والشراب؛ لأنه يتبع حمية معينة،
وهناك من يمسك عن الطعام والشراب على وجه التعبد لله كما في الصيام، والذي يفصل بينهما هو النية.
فالنية إنما احتيج إليها من أجل التمييز بين العبادات، فالفرض يتميز عن النفل بالنية، كما في ركعتي سنة الفجر، وركعتي الفجر فهما متوافقتان في العدد وهيئة الصلاة، لكن يفرق بينهما النية،
والنية هي التي تميز بين الفرائض نفسها أيضا، كالظهر والعصر كلاهما بعدد واحد وهيئة واحدة لكن يميز بينهما النية.
فلا يطيب عمل يعمله الإنسان ويؤجر عليه إلا إذا عمله لله واصلح فيه سره وعلانيته
التلفظ بالنية
النية محلها القلب، ولا يجب التلفظ بها في العبادات إلا في الحج فإنه يستحب التلفظ بها؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يذكر نسكه في تلبيته، فيقول: (لبيك عمرة وحجا)
النفقة التي يؤجر عليها صاحبها
قد ينفق الإنسان من ماله لكنه ينوي أمورا مختلفة كأن ينفق من أجل الرياء أو السمعة بين الناس، أو ينفق من أجل أن يحصل على مقابل ممن أنفق عليه بطرق ملتوية،
أو أن ينفق هذا المال لله، فكل هذه نيات مختلفة تصاحب الإنفاق وعلى أساس هذه النية إما أن يكون صاحب النفقة مأجورا أو مأزورا.
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك)[البخاري]
فمن ابتغى وجه الله وسلم في نفقته أجر عليها ومن ابتغى غير الله كأن أراد بنفقته الرياء صار عمله مردودا عليه وقيل له خذ أجرك ممن عملت العمل لأجله.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)[مسلم]
لا عمل إلا بنية
بين الحديث هنا أنه لا عمل يقبل عند الله إلا بنية، وإذا صح ذلك دل ذلك على أن الصوم المفروض لا يجزئ ولا يقبل من صاحبه إلا نبية من الليل أي بتبييت النية من قبل الفجر.
العمل الذي لا تصاحبه نية
إذا خلا العمل عن النية كان هذا العمل مشابها لعمل البهائم، حيث لا تدفع إليه إلا الغريزة، فلا يقع موقع القبول عند الله؛ لأن الله ينظر إلى العمل وحده وإنما ينظر إلى النية المصاحبة لهذا العمل.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم)[مسلم]
وإنما لكل امرئ ما نوى
وإنما لكل امرئ ما نوى فلا يحصل للإنسان من وراء عمله إلا ما نواه به، وهذا دليل على أن صلاح العمل وفساده مرتبط بالنية، وأن الثواب مرتبط بالنية الصالحة، وأن العقاب يكون على النية السيئة.
الهجرة لله ورسوله
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)
فمن كانت هجرته رغبة في الإسلام وبراءة من الكفر فتلك هي الهجرة التي أمر الله بها، وعليها يؤجر صاحبها وينال الأجر عليها.
الهجرة من أجل الدنيا
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)
ومن كانت هجرته من أجل عرض من الدنيا فليست هذه هي الهجرة التي أمر الله بها، ولا يؤجر عليها صاحبها.
لماذا خص المرأة بالذكر هنا؟
خص النبي -صلى الله عليه وسلم- المراة بالذكر في هذا الحديث؛ لأن العرب كانوا لا يزوجون بناتهم من الموالي، فلا يزوجونهم إلا من الأكفاء في النسب،
فلما جاء الإسلام وساوى بين الناس وصار كل واحد من المسلمين كفئا لصاحبه، هاجر كثير من الناس إلى المدينة من أجل الزواج حتى فعل ذلك أحد الناس من أجل امراة يقال لها أم قيس فسمي مهاجر أم قيس.
ما يستفاد من حديث إنما لأعمال بالنيات
يستفاد من هذا الحديث أن كل عمل يعمله الإنسان لابد وأن ينظر أولا إلى نيته فإن كانت تتوجه لغير الله فعليه أن يعدل مسار نيته بحيث لا تتوجه إلا لله ثم ينطلق في عمله حتى يكون مأجورا عليه.
الجزاء على العمل يكون بالنظر للنية المصاحبة لهذا العمل لأن هذه النية هي التي تميز بين ما عمل لله وما عمل لغير الله.
للاطلاع على المزيد: