في هذا المقال سنشرح حديث جبريل المشهور الذي سأل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن معنى الإيمان والإسلام والإحسان وسأله عن أمارات الساعة.
سؤال جبريل للنبي عن الإسلام
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟
قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث). قال: ما الإسلام؟
قال: (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). قال: ما الإحسان؟
قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: متى الساعة؟
قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله).
ثم تلا النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ثم أدبر، فقال: (ردوه): فلم يروا شيئا، فقال: (هذا جبريل، جاء يعلم الناس دينهم)[البخاري]
فضل حديث جبريل
هذا الحديث أصل من أصول الإسلام، حيث اشتمل على شرح الدين كله، فبين درجة الإيمان ودرجة الإسلام، ودرجة الإحسان.
وقد اشتمل هذا الحديث على أعمال الإسلام الظاهرة من العبادات، وأعمال الجوارح، وأعمال الإسلام الباطنة من الإيمان، واشتمل على ذكر بعض علامات الساعة.
وهذا الحديث كان في أواخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بمثابة جمع لكل بنود الإسلام في كلمات معدودة.
سبب حديث جبريل
لما أنزل الله قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
أمسك الناس عن سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسل الله جبريل ليسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمامهم وليتعلموا أمور دينهم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سلوني، فهابوه أن يسألوه، فجاء رجل، فجلس عند ركبتيه، فقال: يا رسول الله…)
جلوس النبي بين أصحابه
قال أبو هريرة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل.
أي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهرا للناس جالسا معهم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك يجلس بين أصحابه حتى إذا أتى الغريب من الناس فلا يدري أين هو رسول الله
فطلب الصحابة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعلوا له مجلسا يتميز به حتى الغريب إذا أتاه، فقد روى النسائي في سننه عن أبي هريرة وأبي ذر قالا:
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل،
فطلبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين، كان يجلس عليه.
معنى الدين
الدين لفظ يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، وهذا واضح من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم). وقال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
الفرق بين الإيمان والإسلام والإحسان
الإسلام والإيمان لفظان يجتمعان ويكونان بمعنى واحد إذا جاءت كل كلمة منهما منفردة في سياق الكلام.
ويفترقان بحيث تدل كل كلمة منهما على معنى تختص به إذا جاءت الكلمتان في سياق واحد.
فتطلق كلمة الإسلام على أعمال الإسلام الظاهرة ومعناه الاستسلام، وكلمة الإيمان على أعمال الإسلام الباطنة ومعناه التصديق.
وقد أخبرنا الله عن جماعة من الأعراب جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلنون إسلامهم ليس إيمانا بالله ورسوله وإنما طمعا في الغنيمة ومن أجل أن يحفظوا دماءهم،
فلما قالوا : آمنا . أمرهم الله بأن يقولوا: أسلمنا. لأنهم قد عملوا الظاهر من أعمال الإسلام، أما القلوب فلم تؤمن فقال الله:
(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
فمن أتى بالإيمان والإسلام فهو المؤمن الكامل، ومن ترك الإيمان والإسلام فهو الكافر الكامل، ومن ترك الإسلام وأتى بالإيمان فهو فاسق.
ومن ترك الإيمان وأتى بالإسلام فهو منافق يؤمن بلسانه ويكفر بقلبه قال الله عن المنافقين: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ).
أما الإحسان فمعناه الإخلاص وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام معا.
ما هو الإيمان
فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالعبث).
بدأ جبريل بسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان وهو الاعتقادات الباطنة من الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل والبعث وقد أمرنا الله في القرآن بالإيمان بهذه الأصول الخمسة فقال الله:
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)
وقال الله: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)
وقال الله: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ – وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
فالإيمان بالله معناه الإيمان بوجود الله وقدرته وعظمته وأنه لا يجوز عليه عدم، وأنه موصوف بكل كمال يليق بذاته المقدسة.
ويجب الإيمان بجميع ملائكة الله تفصيلا بمن عرفناه باسمه مما ورد في القرآن والسنة، وإجمالا بمن لم نعرف اسمه.
والإيمان بالرسل أنهم صادقون فيما يبلغونه عن الله، وأن الله أيدهم بالمعجزات التي تثبت صدقهم فيما يبلغونه عن الله.
والإيمان باللقاء يحصل بالانتقال إلى دار الجزاء، والإيمان بالبعث يحصل عند قيام الساعة.
والبعث يطلق على أمرين: خروج الإنسان من رحم أمه وهذا بعث من الأرحام، وخروج الإنسان من الأرض إلى المحشر للحساب وهذا بعث من الأرض.
تابع تكملة هذا المقال على هذا الرابط: