الهجرة النبوية والإذن بالهجرة وخروج النبي مع صاحبه
لم تعد مكة صالحة لقبول الإسلام ولم يعد أهلها أهلا؛ لأن يحملوا رسالة الإسلام وقد هيأ الله للإسلام أرضا أخرى وأهلا آخرين يحملون تلك الدعوة ويدافعون عنها بأنفسهم.
انتشار الإسلام بالمدينة
لما انتشر الإسلام في المدينة فزع المشركون وزادوا من تعذيبهم للمسلمين وللنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان الصحابة يشتكون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يجدونه من الأذى،
فأذن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة بعدما رأى في منامه أن دار الهجرة التي يهاجرون إليها ذات نخل.
خروج المسلمين من مكة
قد صادف هذا الإذن هوى في نفوسهم فخرجوا جماعات وفرادى وبقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة رجاء أن يؤذن له في الهجرة وبقي معه أبو بكر وكان قد هم بالهجرة فقال له النبي:
لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا. فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصحبه في رحلة الهجرة.
وفي أثناء انتظار النبي –صلى الله عليه وسلم- الإذن بالهجرة كانت قريش تتشاور ماذا تفعل في أمر محمد، حتى استقر رأيهم على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى ويعطونه سيفا مصلتا،
ويقفوا على باب محمد -صلى الله عليه وسلم- فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل، وفي هذا قال الله تعالى:
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
ففي الوقت الذي كانت تكيد فيه قريش للنبي -صلى الله عليه وسلم- كان الله يدبر لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أمرا آخر.
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
جاء الإذن بالهجرة للنبي –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه فذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر في ساعة لم يكن يذهب إليه فيها فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له:
إن الله قد أذن لي في الخروج. فقال أبو بكر وهو يبكي من الفرحة : الصحبة يا رسول الله. فقال رسول الله: نعم.
تقول عائشة: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.
واشتركت أسماء وعائشة في تجهيز الطعام الذي سيأخذه المهاجران ووضعتها في جراب فلما أرادتا ربط فم الجراب لم تجدا شيئا فشقت أسماء نطاقها وهو ما كانت تربطه على وسطها، نصفين فربطت فم الجراب بنصفه وانتطقت بالآخر فلذلك سميت بذات النطاقين.
رد النبي الأمانات لأصحابها
أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًا بأن يبيت في موضعه ليرد الأمانات التي كانت عند النبي –صلى الله عليه وسلم- لأهل مكة.
خروج النبي بين يدي المشركين
اجتمع فتيان قريش في عتمة الليل، وفي هجعة الليل خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أخذ الله على أبصارهم فلم يبصروا به وكان أخذ كفا من تراب فصار ينثر منها على رؤوسهم وهو يتلو بدايات سورة “يس”.
وهكذا خيب الله سعي الفتيان الذين كانوا على باب النبي -صلى الله عليه وسلم- يريدون قتله فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بينهم دون أن يشعروا به فأتاهم آت فقال:
ما تنتظرون هنا؟ قالوا : محمد. قال : خيبكم الله قد والله خرج محمد عليكم ثم ما ترك أحدا منكم إلا وضع على رأسه التراب.
دخول المشركين بيت النبي في الهجرة
دخل الفتيان الذين وقفوا على باب النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجدوا النائم في موضعه علي بن أبي طالب فجن جنونهم وصار المشركون يهيمون على وجوهم يبحثون عن محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل مكان.
خروج النبي في الهجرة مع أبي بكر
لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يدي المشركين الواقفين على باب بيته ذهب إلى بيت الصديق وكانا قد أعدا للسفر عدته،
فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه وقد تزودوا بالزاد والماء وسلكا طريقا غير معهودة، ولما خرج رسول الله من مكة قال: والله إنك لأحب أرض الله إلي وإنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.
وأبو بكر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفديه بنفسه يسير مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله يريد أن يحفظه من كل الجهات، حتى وصلا إلى غار ثور،
فمكثا فيه ثلاث ليال حتى هدأ الطلب، ثم جاء الدليل وهو عبد الله بن أريقط فسلك بهم طريقا غير مألوفة حتى ذهب بهم إلى المدينة.
قريش تعلن عن مكأفأة لمن يأتي بالنبي
أعلنت قريش عن مكأفأة لمن يأتي بمحمد وصاحبه حيا أو ميتا مائة ناقة، وبعثوا القافة إثره في كل وجه، فصاروا يتبعون الأثر حتى انتهوا إلى جبل ثور ثم صعدوا الجبل حتى وقفوا على فم الغار ووقفوا مترددين أيدخلون الغار أم لا، يتحدثون على فم الغار بمسمع من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه.
خوف أبي بكر على النبي في الهجرة
لما وقف المشركون على فم الغار امتلأ قلب أبي بكر بالخوف على النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قال: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما. وفي هذا يقول الله:
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
موقف عبد الله بن أبي بكر وعامر في الهجرة
كان عبد الله بن أبي بكر يذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبيه أبي بكر في ظلام الليل إلى الغار ليخبرهما بما تكيد به قريش لهما، وعامر بن فهيرة عبد لأبي بكر يرعى غنمه ويسقيهما من ألبانها مدة ثلاث ليال وهي مدة بقائهما في الغار.
موقف سراقة بن جعشم في الهجرة
بسبب المكافأة التي أعلنت عنها قريش لمن يأت بمحمد –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه حيا أو ميتا مائة ناقة خرج سراقة بن جعشم حتى دنا منهم بفرسه فغاصت يدا فرسه بالأرض حتى بلغتا الركبتين وصرعته فناداهم بالأمان ووقع في نفسه أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا رسول الله مرني بما شئت فقال له: أخف عنا. فجعل لا يلقى أحدا إلا رده قائلا: كفيتم هذا الوجه.
وهكذا انطلق سراقة يريد رأسيهما وها هو يرجع من عندهما يصرف الناس عنهما.